واشترطوا لتسمية المسجد مسجداً لله أن يستوفي عماره الأوصاف التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في قوله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:18].
وقوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} [النور:36 - 37]، وفي قوله تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة:108].
فقالوا: إنه لا يجوز لنا أن نسمي مسجداً ما مسجداً لله حتى يستوفي عماره هذه الأوصاف المذكورة في الآيات السابقة.
يقول: وعن الشرط الثاني الذي اشترطته فرقة التكفير هو استيفاء أوصاف من يعمرون بيوت الله كما ذكرت في الآيات القرآنية، فنقول: إن الله سبحانه وتعالى قد ذكر لنا ما يجب أن يتصف به عمار بيوته من صفات قلبية وظاهرية لنتحرى هذه الصفات في ذات أنفسنا، وندعو إليها، ونذكر بها، ولكنه سبحانه وتعالى لم يذكر لنا هذه الصفات من أجل أن نتعقبها في الناس، ونؤسس عليها حكماً شرعياً بأن هذا المسجد لله أم لا.
ذلك أن بعض هذه الصفات قلبية، وذلك مثل ما ورد في قوله تعالى: {يَخَافُونَ يَوْمًا} [النور:37]، فكيف تحكم على شخص بأنه يخاف يوم القيامة أو لا يخاف؟! فهذا عمل قلبي ولا سلطان لك على قلب هذا الإنسان، بل المنافق يصلي مع المسلمين في جماعة، ويحضر معهم الجماعة.
يقول: ذلك أن بعض هذه الصفات قلبية لا يمكن استيفاؤها من أصحابها، ولم نكلف بذلك، وأيضا ًفإن المسجد قد لحقت به التسمية -كما قلنا- منذ اللحظة الأولى التي بني فيها بناءً شرعياً وخصص للصلاة، ولم نكلف أبداً أن نؤجل التسمية حتى يعمره الناس، ثم يقوم المسلم بفحص أحوالهم الظاهرة والباطنة، ثم على أساس نتيجة الفحص يطلق التسمية أو يحرمها.
إن هذا التنطع لم يعرفه السلف، ولا أقره النبي صلى الله عليه وسلم وشرعه، ولا الذين آمنوا معه، وما عرفته الأرض كلها إلا بعد أن منيت بهذه الفرقة الشاذة التي تزين هذا التنطع بزعم الغيرة على دين الله، أو بادعاء أن البشرية كلها لن تهتدي إلا على أيديهم.
وخلاصة القول أن من زعم أن الصفات التي وصف الله بها عمار بيوته هي شروط لابد من وجودها حتى يسمى المسجد مسجداً لله فليأتنا بهذا الشرط، وإلا فهو شرط باطل ومردود على أصحابه، كما قال الله عز وجل في هذه الآيات في سورة التوبة: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة:108]، نعم أخذ بعض العلماء من هذا أن الإنسان يتحرى المسجد الذي يصلي فيه أن يكون أهله من أهل الخير والاستقامة والصلاح إرضاء لله عز وجل.
وأفضل للإنسان أن يصلي مع قوم هم أتقى لله، وأقرب إلى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن كلامنا هنا عن الشروط، فهم يعتبرون أن المسجد لا يسمى مسجداً إلا بذلك، فهناك فرق.