قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: إذا دفع المرء الحكم بالكفر عن أخيه المسلم وعمن يظن أنه ليس بكافر فهذا قصد حسن يثاب عليه، بل إذا أخطأ في ذلك فهو مأجور.
أو كما قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى.
والشاهد أنه ليس الأمر كما يتصور الكثير من الناس أن الجرأة على التكفير نوع من البطولة، وإنما يكون ذلك عن جهل وقلة ورع.
ثم إن هذه القضية التي نتعرض لها اليوم وجدت بصورة أخرى، لكن قد يكون ما نحن فيه الآن هو صدى من أصداء هذه الدعوة، فالتاريخ يعيد نفسه، فقد فجرت من قبل هذه القضية، أي: قضية العذر بالجهل، ومن نعذر ومن لا نعذر، وأول من فجرها رجل يدعى نجدة بن عامر الحنفي الذي تنسب إليه فرقة النجدات العامرية، وهي فرقة من فرق الخوارج، ويسمون النجدات نسبة إلى نجدة هذا، وكانوا يقولون: الدين أمران: أحدهما: معرفة الله تعالى، ومعرفة رسله عليهم الصلاة والسلام، وتحريم دماء المسلمين -ويقصدون بالمسلمين من يوافقونهم- والإقرار بما جاء من عند الله جملة، فهذا واجب على الجميع، والجهل به لا يعذر فيه.
الثاني: ما سوى ذلك، فالناس معذورون فيه إلى أن تقوم عليهم الحجة في الحلال والحرام.
فكان نجدة بن عامر يعذر من انتسب إليه من الخوارج، وتفصيل الكلام فيهم وفي محنتهم منشور في الملل والنحل في الجزء الأول.
وكثير من الناس يخلطون الأوراق في هذه القضية، ويطيلون النفس فيما لا فائدة من ورائه، وما ليس علاقة له بالموضوع، فنحن -في الحقيقة- لا نناقش حكم الكافر الجاهل؛ لأن للكفر أنواعاً: كفر الجحود، وكفر العناد، وكفر الجهل إلى آخره، فنحن لا نتكلم على الكافر الجاهل، ولا نتكلم على أدلة كفر اليهود والنصارى أو أي نوع من الكفار الأصليين بأنواعهم، ولا نتكلم -أيضاً- عن أهل الفترة ولا عن مصيرهم، وقد سبق بيان ذلك، ولا عن حكم المرتد الذي أصر على الكفر وانشرح به صدره، ولا على من ارتكب من المسلمين الشرك الأكبر وأقيمت عليه الحجة الشرعية بشروطها ثم أصر على هذا الشرك أو الكفر عناداً واستكباراً، لكن القضية التي هي محور الخلاف ومحور الكلام هي حكم تكفير المسلم الذي صدر منه كفر يتعلق بالعقيدة وهو جاهل بأن هذا كفر، وجاهل بأن هذا يخدش عقيدته، هذه هي القضية، وليس الكلام فيما عداها.