يقول الأستاذ البهنساوي عن حتمية تأويل أقوال سيد قطب: ترد وتجد في عبارات الشهيد سيد قطب كلمات الجاهلية والأصول العامة في الإسلام، توجب أن تفسر هذه العبارات إذا اتصلت بالمسلمين على أن المقصود بها اعتزال المناهج والتشريعات المستوردة، على أن أساس أن أصلها جاهلي، ولا يترتب على هذا أن يقال: إن المسلمين في عصرنا قد ارتدوا عن الإسلام وأصبحوا كفاراً، ولهذا فعبارة اعتزال معابد الجاهلية ليست إلا وصفاً لا مدلول له من الناحية الفقهية، ذلك أن أقوال النبي صلى الله عليه وسلم استوجب تأويلها اتفاقاً مع القواعد العامة كما رأينا، فمن باب أولى كلام العلماء والفقهاء، وليس أدل على أن الشهيد سيد قطب لا يريد النتائج والأحكام الفقهية المترتبة على الألفاظ العامة من الخطاب الذي نشره الأستاذ محمد قطب بمجلة المجتمع في العدد (271) الصادر في السابع عشر من شوال سنة ألف وثلاثمائة وخمس وتسعين هجرية، الموافقة (21/ 10/1975م) وهو يؤكد ما قلناه.
والمجلة أولاً ذكرت مقدمة كتمهيد للمقالة، قالت مجلة المجتمع: دارت حول أفكار الشهيد سيد قطب آراء اكتنف بعضها الغلو سلباً وإيجاباً، ودفع للحوار في طريق أدق أمانة وأكثر إيجابية كتب شقيقه الكاتب الإسلامي المعروف الأستاذ محمد قطب الرسالة التالية، وهو خير من يكتب في هذا الموضوع نظراً لاطلاعه الوافر على أفكار أخيه، ومعرفة مدلول هذه الأفكار بالتالي، ومما هو معروف أن الشقيقين كانا يتدارسان الإسلام معاً، ويقلبان وجوه النظر في قضاياه وموضوعاته معاً أيضاً، ومن هنا قلنا: إن الأستاذ محمد قطب أقدر على تحديد نقاط الأفكار وآراء واجتهادات الشهيد سيد قطب.
نص الرسالة: أخي: السلام وعليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فإنك تعلم -يا أخي- ما دار من لغط في محيط الإخوان حول كتابات الشهيد سيد قطب، وما قيل من كونها مخالفة لفكر الإخوان أو جديدة عليه، وأحب في هذا المجال أن أثبت مجموعة من الحقائق أحس بأنني مطالب أمام الله بتوضيحها حتى لا يكون في الأمر شبهة.
إن كتابات سيد قطب قد تركزت حول موضوع معين هو بيان المعنى الحقيقي لـ: (لا إله إلا الله)، شعوراً منه بأن كثيراً من الناس لا يدركون هذا المعنى على حقيقته، وبيان المواصفات الحقيقية للإيمان كما ورد في الكتاب والسنة، شعوراً منه بأن كثيراً من هذه المواصفات قد أهمل أو غفل الناس عنه، ولكنه مع ذلك حرص حرصاً شديداً على أن يبين أن كلامه هذا ليس مقصوداً به إصدار الأحكام على الناس، وإنما المقصود به تعريفهم بما غفلوا عنه من هذه الحقيقة، ليتبينوا هم لأنفسهم إن كانوا مستقيمين على طريق الله كما ينبغي، أم بعيدين عن هذا الطريق فينبغي عليهم أن يعودوا إليه.
ولقد سمعته بنفسي أكثر من مرة يقول: نحن دعاة ولسنا قضاة، إن مهمتنا ليست إصدار الأحكام على الناس، ولكن مهمتنا أن نعرفهم بحقيقة (لا إله إلا الله)؛ لأن الناس لا يعرفون مقتضاها الحقيقي، وهو التحاكم إلى شريعة الله.
كما سمعته أكثر من مرة يقول: إن الحكم على الناس يستلزم وجود قرينة قاطعة لا تقبل الشك، وهذا أمر ليس في أيدينا، ولذلك فنحن لا نتعرض لقضية الحكم على الناس فضلاً عن كوننا دعوة ولسنا دولة، دعوة مهمتها بيان الحقائق للناس لا إصدار الأحكام عليهم.
أما بالنسبة لقضية المفاصلة فقد بين في كلامه أنها المفاصلة الشعورية التي لابد أن تنشأ تلقائياً في حس المسلم الملتزم تجاه من لا يلتزمون بأوامر الإسلام، ولكنها ليست المفاصلة الحسية المادية، فنحن نعيش في هذا المجتمع وندعوه إلى حقيقة الإسلام ولا نعتزله، وإلا فكيف ندعوه؟ تلك خلاصة كتابات سيد قطب، ولي على هذه الخلاصة تعقيبات -والكلام للأستاذ محمد قطب -: الأول: هو تأكدي الكامل -بإذن الله- من أنه ليس في هذه الكتابات ما يخالف الكتاب والسنة اللذين تقوم عليهما دعوة الإخوان المسلمين.
وتعقيباً على هذا نقول: كان ينبغي أن تكون العبارة: الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، بدل أن نقول: اللذين تقوم عليهما دعوة الإخوان المسلمين.
فقبل الإخوان المسلمين وقبل أنصار السنة، وقبل محمد بن عبد الوهاب وابن تيمية، وقبل هؤلاء جميعاً كان الميزان هو منهج أهل السنة والجماعة.
التعقيب الثاني: هو تأكدي الكامل أيضاً من أنه ليس في هذه الكتابات ما يخالف أفكار الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله مؤسس هذه الجماعة، ولا ما يخالف أقواله، وهو الذي نص في رسالة التعاليم في البند العشرين على أن المسلم الذي لا يجوز تكفيره هو الذي نطق بالشهادتين، وعمل بمقتضاهما، وأدى الفرائض، وذلك فضلاً عن كون كتابات سيد قطب -كما أسلفت- لم يقصد بها إصدار الأحكام على الناس، وإنما قصده منها كما كان قصد الإمام الشهيد بالضبط، وهو بيان حقيقة الإسلام ومواصفات المسلم كما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
تلك حقائق أرى أن من واجبي أن أبينها وأوضحها أداء للشهادة لله؛ فإننا لا ندري متى نلقى الله، ولا ينبغي لنا أن نلقاه وقد كتمنا شهادتنا، والله الموفق إلى سواء السبيل.
أخوك: محمد قطب.
فبهذا نستطيع أن نقول: إننا أنهينا هذا البحث فيما يتعلق بما قيل حول المنهج عند سيد قطب، وهل هذا المنهج كان له أثر في اتجاهات التكفير أم لا ويكفي في هذا الاضطراب كله أن نقول: إنه لن يخلو من أثر من الآثار، سواء قصد أم لم يقصد، وسواء أساء الناس فهمه أم لم يسيئوا، فعلى أي الأحوال الذي يهمنا هو ما ذكرناه في بداية الكلام، أي: أن يبقى الحق حقاً والرجل رجلاً، فالحق حق في كل الأحوال، والرجل قد يكون محقاً وقد يكون مبطلاً.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وسبحانك -اللهم ربنا- وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.