الخامس: الصدق المنافي للكذب: الصدق في قولك: لا إله إلا الله، أي: يقولها بلسانه ويواطئ القلب اللسان في النطق بها، ولا يكون كالمنافقين الذين يقولونها بألسنتهم وترفضها وتأباها قلوبهم، يقول الله عز وجل: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:1 - 3] صدقوا بظهور أمارات الصدق في أعمالهم.
وقال تبارك وتعالى في شأن المنافقين الذين قالوا: لا إله إلا الله، لكن بغير صدق مع الله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ -النفاق- فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:8 - 10]، قالوا: آمنا وهم كاذبون، وقالوا: لا إله إلا الله وهم غير صادقين في تلك الشهادة، ومعلوم ما ذكره الله تبارك وتعالى من شأن المنافقين، وكم أفاض وأعاد في كشف أستارهم وهتكها، وأبدى فضائحهم في غير ما موضع من كتابه، فمن السور التي فيها مظان الكلام على المنافقين وأحوالهم وصفاتهم: سورة البقرة، وآل عمران، والنساء، والتوبة، والأنفال، وسورة كاملة سميت باسمهم وهي سورة المنافقون، وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله؛ صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار)، فاشترط في إنجاء من قال هذه الكلمة من النار أن يقولها صدقاً من قلبه، فلا ينفعه مجرد التلفظ بدون مواطأة القلب.
وفي الصحيحين أيضاً من حديث أنس بن مالك وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما من قصة الأعرابي ضمام بن ثعلبة وافد بني سعد بن بكر لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرائع الإسلام فأخبره، قال: هل علي غيرها؟ قال: (لا، إلا أن تطوع قال: والله لا أزيد عليها، ولا أنقص منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق)، وفي بعض الروايات: (إن صدق ليدخلن الجنة)، انظر إلى هذا الشرط: (أفلح إن صدق) فعلق الفلاح على الصدق.