ثم يقول تحت عنوان: غاية الحركة الإسلامية: قلنا: إن الحركة الرشيدة تستدعي تحديداً للغاية، وتحديداً للطريق الموصل إليها، فما غاية الحركة الإسلامية في عصرنا؟ يجيب كثير من الدعاة عن هذا السؤال بقولهم: إن غايتنا مرضاة الله تعالى، وهذا صحيح إذا كان المقصود به أنه الغاية الكبرى والقصوى، لكن هذه غاية يبتغيها كل مسلم سواء كان فرداً منعزلاً في جزيرة أو شعب جبل، أم كان عاملاً في جماعة، وبغض النظر عن الجماعة التي ينتمي إليها، والعصر الذي يعيش فيه، والمكان الذي يوجد فيه، هذه الغاية الكبرى تندرج تحتها غايات هي بمنزلة الوسائل المؤدية إليها، والناس حين ينتظمون في جماعة يكون غرضهم -باعتبارهم جماعة- تحقيق إحدى هذه الغايات الثانوية: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج:41]، فالمسلمون يسعون كما يسعى الكفار للتمكن في الأرض، لكن غرضهم من التمكن هو إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهم يفعلون ذلك ابتغاء مرضاة الله تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:114].
فإذاً: المؤمن قد يسعى لتحقيق الغاية نفسها التي يسعى لتحقيقها الكافر، وقد يعمل العمل نفسه الذي يعمله الكافر أو المنافق، لكن المؤمن يعتبر هذه الغاية الأرضية وسيلة لغاية سماوية أكبر، بينما يعتبرها الكافر غاية نهائية، أو وسيلة لغاية أرضية أخرى: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83].
نعود لسؤالنا مرة أخرى: ما غاية الحركة الإسلامية في عصرنا؟ غايتها: أن تتمكن في الأرض لتجعل الحياة في كل أرض تمكنت فيها موافقة لشرع الله تعالى في تصورات الناس العقائدية، وشعائرهم التعبدية، وعلاقاتهم الاجتماعية، ونظمهم السياسية، وأوضاعهم الاقتصادية، وسياساتهم الدولية ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.