المسألة الخامسة من مسائل هذه البحوث: أن مرتكب الكبيرة يكفر باستحلاله إياها.
يعني: لا نكفر أحداً من أهل التوحيد بالذنب، لكن هناك ذنوب يكفر مرتكبها إذا اعتقد استحلال الذنب والمعصية.
نحن قلنا: الإيمان مركب من قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان والجوارح، ففي كل عمل أنت تعمله هناك عمل قلبي، مثلاً: من يشرب الخمر والعياذ بالله انتفى عنه العمل، لكن لابد أن يكون معتقداً في قلبه تحريمها، فالعقيدة والإيمان مرتبط بالعمل، فالذي يشرب الخمر في قلبه إيمان أن هذا حرام، لكنه تخلف عمل القلب نتيجة اتباعه الشيطان في العمل فشرب الخمر وارتكب هذه الموبقة، فهذا مرتكب كبيرة من الكبائر مستحق للعذاب، لكن إذا شرب الخمر واعتقد بقلبه أنها حلال، فهل هذا الذنب يكفره أم لا يكفره؟ يكفره؛ لأنه استحل الحرام، فصارت كبيرة القلب ومعصية القلب أشد من معصية الجوارح.
فإذاً: لا نقول: إن العبد لا يكفر بالذنب، لكن نقول: لا نكفر المؤمن بكل ذنب إشارة إلى أن الذنب يكفر به فاعله إذا استحله إذا استحله، ولذلك يقول الشيخ حافظ حكمي في سلم الوصول: ولا نكفر بالمعاصي مؤمنا إلا مع استحلاله لما جنى يقول: (ولا نكفر بالمعاصي)، يعني: المعاصي التي لا توجب كفراً، والمراد بها الكبائر التي ليست بشرك ولا تستلزم الشرك، ولا تنافي اعتقاد القلب ولا عمله.
قوله: (مؤمناً) أي: مقراً بتحريم هذه المعاصي، معتقداً أنها حرام، مؤمناً بالحدود المترتبة عليها، ولكن نقول: يفسق بفعلها، ويقام عليه الحد بارتكابها، وينقص إيمانه بقدر ما ارتكب منها.
إن كلمة لا إله إلا الله هي مثل الروح للبدن، والإنسان إذا قطعت ذراعه يبقى حياً، وأعمالنا هي أركان البدن والجوارح والأعضاء.
أما التوحيد والعقيدة فهي روح هذا البدن، فالإنسان إذا فقئت إحدى عينيه يمكن أن يعيش لكن بعاهة، وإذا قطعت يده أو رجله يعيش وتنقص أركانه وأعضاؤه، وإذا فقد جزءاً من أجزاء البدن يبقى حياً، أو عامة جوارحه إذا بترت منه يبقى حياً، لكن إذا خرجت روحه مع سلامة جميع الجوارح هل يبقى حياً؟ لا، فكذلك العقيدة والتوحيد إذا خرجا من القلب حبط جميع إيمانه وذهب أصله بالكلية.
أما ما عدا ذلك من الأعمال فيمكن للإنسان أن يبقى حياً بدونها لكن ينقص بقدرها من كفاءاته، وينقص إيمانه بالمعاصي، فالمعاصي لها تأثير لا كما تزعم المرجئة أن المعاصي لا تأثير لها على الإيمان، وتنقص من الإيمان، فإذا استحلها أحبطت كل الإيمان، وصار كافراً مشركاً بذلك.