قوله: (كلتاهما في يمنها يمين فهو بذا من خلقه يبين) : (كلتاهما) أي: كلتا يديه، (في يمنها) معناه: في بركتها، (يمين) وهذا إشارة إلى ما جاء في الحديث أن آدم قال: (وكلتا يدي ربي يمين مباركة) فقوله: (كلتا يدي ربي يمين) ، أتبعها بقوله: (مباركة) ؛ ليبين ذلك معنى اليمين؛ لأن اليمين مشتقة من اليمن واليمن هو البركة، فكلتاهما توصف باليمن الذي هو البركة.
فما جاء في صحيح مسلم من صفة الشمال محمول على الشذوذ؛ لأنه يخالف هذه النصوص الكثيرة المثبتة لليمين، ولم يصح إثبات الشمال لله في هذا الحديث، فقد انفرد به رجل واحد، وهذا يعارضه رواية من هو أكثر منه وأوثق.
فرواية: (ويمسك الأرضين بشماله) من حديث الزهري، وقد انفرد به الزهري وهو ثقة لكن خالفه من هو أكثر منه عدداً، فكان الحديث شاذاً من هذا الوجه، وقد ثبت ذلك في كثير من الأحاديث منها: (المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين) وغير ذلك من الأحاديث.
وإثبات صفة اليمين لله سبحانه وتعالى جاء في كثير من الأحاديث الأخرى مثل قوله: (إن الله كتب التوراة لموسى بيمينه) (خلق آدم بيمينه) وغير ذلك من الأحاديث التي فيها تفسير لليد التي في القرآن، كقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] وفي الحديث: (بيمينه) وهي شاملة لهما معاً فكلتاهما يمين، فالله خلق آدم بيمينه، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته.
(فهو بذا من خلقه يبين) أي: فهذا من مظاهر مخالفته لخلقه، فالمخلوق مثل البشر له يدان؛ لكن إحداهما يمين والأخرى شمال، والله سبحانه وتعالى كلتا يديه يمين ولذلك قال: (فهو بذا من خلقه يبين) أي: يخالف خلقه من هذا الوجه.
وهنا بحث في (يبين) والمقصود به المخالفة، وأما ما كثر إطلاقه في عرف السابقين كقولهم: بائن من خلقه، فإن هذا اللفظ لم يرد في النصوص الشرعية، وإنما ورد في التوسع عند الرد على الذين يزعمون أن شيئاً من العالم في ذات الله؛ فلذلك قال كثير من الناس في إثبات صفة الفوقية: إن الله فوق عرشه بائن من خلقه، ولكن لم يرد ذلك في النصوص، فالأفضل الاقتصار على ما جاء في النص، وعدم الجراءة على إطلاق لفظ لم يرد.