Q ما هو التقابل في السماوات السبع والأرضين السبع؟
صلى الله عليه وسلم لم يرد في القرآن التصريح بأن الأرضين سبع إلا في موضع واحد وهو في سورة الطلاق في قوله تعالى: {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق:12] ، فقد صرح بمثلية الأرضين للسماوات، والمثلية لا يقصد بها المثلية بمعنى التشابه؛ لاختلاف حال السماوات عن حال الأرضين، وإنما نص العلماء على أن المقصود بالمثلية: المثلية العددية فقط، وإلا فلا يمكن مقارنة السماوات والأرض لا من حيث الضخامة والكبر ولا من حيث الارتفاع والانخفاض ولا من حيث مكونات الخلق، فالمثلية إنما هي في العددية فقط.
وأما في الأحاديث فقد جاء التصريح بأن الأراضين سبع، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن) وجاء كذلك في الحديث: (إن السماوات السبع والأراضين السبع في قبضته) .
وأما في العلم الحديث فإن أهل العلم الحديث في أصل نظريتهم لا ينطلقون من مبدأ الإيمان والتسليم بما جاء به الوحي، وإنما يتحدثون عما وصلوا إليه وما وجدوه، ولذلك ليس للسماء ذكر في قاموس العلم الحديث، ولا يعرفون شيئاً اسمه السماء، إنما يعرفون الطبقات المحيطة بالأرض فقط، وهي أنواع: بعضها غازات، وبعضها طبقات جوية، وبعضها فضاء خارجي إلى آخره، لكن هذه كلها من عالم الأرض وليست من عالم السماء، حتى المدارات البعيدة التي فيها الكواكب البعيدة جداً والتي تبعد السنوات الضوئية عن الأرض، ومع ذلك تعتبر من الأرض ولا علاقة لها بالسماء؛ لأن السماء لا يمكن أن يصلها البشر بوجه من الوجوه.
وأما بالنسبة لقوله تعالى: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [نوح:16] ، ليس المقصود أن القمر حجر من السماء أو أنه لاصق بها، بل هو كما تقول: فلان في البيت، وليس معناه أنه حجر من سقفه أو منه، بل المقصود: أنه في داخله، فكذلك القمر وغيره من الكواكب كلها ليست في داخل السماوات، وكلها تنسب إلى الأرض، ولذلك المجموعة الشمسية التي نحن فيها والمجموعات الشمسية الأخرى والمجرات المعروفة كلها، وطبقة اليونسفير وما دونها والفضاء الخارجي؛ كل هذا الذي اطلع عليه علمياً اليوم هو من الأرض لا علاقة له بالسماء، ولهذا فإن السماء محفوظة، كما وصفها الله بذلك في قوله: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:32] ، فلا يمكن أن يصل البشر إليها بوجه من الوجوه.
وهذه السماء الدنيا فقط هي المزينة بالكواكب، أما السماوات الأخرى فليس فيها شيء من الكواكب هذه، ولهذا قال: {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [فصلت:12] ، وهذا التزيين هو بحسب الرؤية؛ لأننا إذا رأينا المصابيح فإنما تكون زينة للسماء، ولا يمكن أن تكون زينة للأطباق الأخرى التي فوقها، فهي تحول دونها السماء الدنياء.
والسماء سقف حصين له أبواب تفتح ولا يمكن النفوذ منه دون فتح الأبواب بحال من الأحوال، حتى الأرواح التي يعرج بها الملائكة إذا لم يؤذن لهم ويفتح لهم أبواب السماء يرجعون إلى الأرض بها، ولهذا قال الله تعالى في أرواح أهل الشقاوة: {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف:40] ، والرسول صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به حين عرج إلى السماء استفتح جبريل واستأذن وعرَّف بنفسه وبمن معه حتى فتح له باب السماء.
ولا يمكن أن يصل البشر ولا الجن إلى أقطار السماء أبداً، ولهذا قال الله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن:33] ، وهذا للتحدي، فصيغة افعل هنا ليست للأمر، وإنما هي للإعجاز مثل قوله سبحانه: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا * أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} [الإسراء:50-51] ، فهي للإعجاز المطلق.
إذاً: إذا كان الناس عاجزين عن اكتشاف السماء الدنيا فمن باب أولى السماوات الأخرى التي فوق ذلك، والكرسي فوق السماوات، والعرش فوق ذلك، والله سبحانه وتعالى فوق كل ذلك.
أما الأرضون فقد اختلف فيها ما هي: فقيل: هذا الذي نكتشفه نحن ونعلمه ويصل إليه علمنا كلها أرض واحدة بما فيها من الكواكب، وإن كانت هذه الأرض التي نسكنها لا تمثل شيئاً بالنسبة للكواكب الأخرى؛ لأنها كوكب صغير في المجموعة الشمسية التي هي فيها، وفيها كواكب أضعاف الأرض عدة مرات.
وقالت طائفة أخرى: بل الكواكب الكبرى أرضون، وهذا قد يشكل إلا إذا اعتبر بالمجرات الكبرى فلا يبعد أن تصل إلى السبع فيكون الأمر كذلك، وقد روي عن ابن عباس ما يدل على هذا، فقد جاء عنه: أن الأرضين السبع في كل واحدة منها آدم كآدمنا، وأن فيها شرائع ورسل كرسلنا.
وهذا الذي قاله ابن عباس إن كان قاله برأيه فالمقصود أنه أخذه من المثلية في قوله: {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق:12] ، ففهم ابن عباس من المثلية.
المثلية في الملك والجبروت، ولا يكون ذلك إلا بوجود هذه الجنود فيها.
لكن ظاهر الآيات أن الجنس البشري مقصود على هذه الأرض، وأن لله تعالى خلائق أخرى لا نعرفها ولا ينبغي لنا أن نعرفها في الأرضين الأخرى وفي غيرها، ولهذا حين استشكل المشركون وجود نبي من البشر في الأرض قال الله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا} [الإسراء:95] ، فبين أن الرسل في هذه الأرض لا ينبغي أن يكونوا إلا من أهلها من البشر، إذ لو كان سكانها ملائكة لكان رسلهم من جنسهم، أي: لكان رسلهم ملائكة، وهكذا.
وعموماً هذا الخلاف فيما يتعلق بالأرضين لا نستطيع حسمه، وينبغي الوقوف عنده، ولا يتوسع الإنسان فيه؛ لأن العلم محصور، وليس لنا من العلم إلا الشيء القليل، كما قال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:85] ، لكن الذي يجزم به ويقطع أن السماوات فوق كل هذه المخلوقات، وقد جعلها الله عز وجل سقفاً محفوظاً، والله عز وجل أخبر عن رفعه لها، وهذا الرفع لا يمكن أن يتصور مثله، ولذلك في المسافات وفي الارتفاع وفي الشرح ما جاء قياسها إلا بالسنوات، وهذا يدلنا على قضية السنوات الضوئية هذه وأهميتها في تقييم المسافات، فالرسول صلى الله عليه وسلم يذكر السنوات في ذكر المسافة، كذكر خمسمائة عام في مسافة الانتقال إلى العلو، وكان هذا متشابهاً قبل أن تعرف السنة الضوئية، واليوم بالنسبة للمسافات لو كان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر للناس المسافات مثل مسافات الأرض لكانت المسافات التي تقطع اليوم في هذه المراكب أضعاف أضعاف ما يمكن أن يتصور في ذلك الوقت.
فإذاً: من إعجاز الخبر النبوي أنه لم يقوِّم المسافات في الارتفاع إلا بالسنوات، مع أن تقويم المسافات عند أهل ذلك الزمن كان بالمراحل أو بالوحدات مثل الأميال أو نحو ذلك، لكنه صلى الله عليه وسلم ما حدد بهذا، وإنما حدده بالسنوات، والسنوات من وحدات الزمن وليست من وحدات المكان، والمسافات من وحدات المكان وليست من وحدات الزمان، فارتبطت وحدات الزمان بوحدات المكان ليصل هذا إلى حد الإعجاز.