والاسم المقصود به: ما يعين مسماه ويعرف به، وهو نوعان: اسم معين لذات مسماه، وهذا هو المسمى بالعَلم، واسم يطلق على مسماه إذا كان معروفاً، وهذا يشمل الضمائر والأوصاف، فكل صفة هي اسم بالمعنى الأخير، فكل صفة من صفات الله اشتق منها اسم يطلق عليها، والاسم هنا بالمعنى الأخير، وليس معناه أنه معين له ولا يطلق على غيره، بل الاسم الذي يطلق عليه ولا يجوز إطلاقه على غيره هو: الله والرحمن فقط، فالله هل تعلم له سمياً؟ لا يمكن أن يسمى بهذا الاسم أحد، والرحمن كذلك؛ ولذلك استعمل هذان الاسمان في القرآن استعمال الأسماء: {قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:110] .
أما الرحيم: فهو اسم من أسماء الله مشتق من صفة من صفاته، لكنه لا يعين ذاته، بل يمكن أن يوصف به غيره كقول الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] ، والذين يقولون: إن هذه الأسماء إنما تعينه بشرط دخول (أل) عليها، يقولون: (الرحيم) بأل خاصة به، وأما (رحيم) فيمكن أن يوصف بها كل متصف بالرحمة، فهذا مخالف للقياس اللغوي؛ لأن (أل) هنا إنما تكون بحسب موقع الاسم الذي هي فيه، فإذا كان نعتاً لمعرفة حلي بأل، وإذا كان نعتاً لنكرة حذفت منه أل، ومثل ذلك الحليم، فتقول: بشرناه بغلام حليم، والحليم بأل تستعمل إذا كان نعتاً لمعرفة كقول الشاعر: وقد يستبلد الرجل الحليمُ فالحليم هنا: نعت رجل، والرجل معرفة فعرفت فيه، كذلك: عليم والعليم وكريم والكريم، إذا كان نعتاً لنكرة حذفت منه أل وإن كان نعتاً لمعرفة أثبتت فيه أل، فلا يعين ذلك الله سبحانه وتعالى، بل يوصف به المخلوق ويسمى به.
ومن هنا اختلف في الصفات المختصة بالله سبحانه وتعالى هل يصح أن يسمى خلقه بأوصافها أم لا؟ فمثلاً: هل يجوز أن نسمي شخصاً: المنتقم، أو المهيمن، أو الجبار، أو المتكبر أو نحو ذلك؟ أما المهيمن فقد وصف الله تعالى القرآن بأنه مهيمن: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} [المائدة:48] وهو في لغة أهل اليمن بمعنى الشاهد.
ويذكر: أن امرأة جاءت إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي مجلسه ابن عباس فقالت: يا أمير المؤمنين! إن بعلي عبد حقي، وترك الوصيد رهواً، ولي عليه مهيمن، فهل عليه من مسيطر؟ قال: ما فهمت ماذا تقولين، فقال ابن عباس كلمات كلهن في كتاب الله: بعلي تقصد زوجي: {وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً} [هود:72] .
عبد حقي أي: تركه، ومنه قول الله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزخرف:81] أي: التاركين لعبادة ذلك الولد.
وترك الوصيد رهواً، الوصيد الباب: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف:18] ، رهواً أي: مفتوحاً: {وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُغْرَقُونَ} [الدخان:24] .
ولي عليه مهيمن أي: شاهد {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة:48] .
فهل لي عليه مسيطر: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ} [الغاشية:22] والمسيطر هو الحاكم المجازي.
فإطلاق المهيمن على إنسان وتسمية ولده المهيمن مثلاً أو نحو ذلك، مختلف فيها: فقال طائفة من أهل العلم: تحل، ولكن لا يجوز التسمية بالله ولا بالرحمن، أما ما دون ذلك من الأسماء فتحل التسمية به، إلا ما كان منها عيباً في المخلوق كالمتكبر والجبار ونحو ذلك فلا يحل التسمية به؛ لأنه من الألقاب التي لا يحل التنابز بها، ولكن يمكن أن يوصف بها من كان متصفاً بتلك الصفة، يقال: فلان متكبر، أو أخرجوا عنا هذا المتكبر أو هذا الجبار ونحو ذلك؛ ولهذا يطلق الجبار على جذع النخلة الضخم، ومنه قول الشاعر وهو زياد بن حمل النجدي: متى أمر على الشقراء معتسفاً خل النقا بمروح لحمها زيمُ والوشم قد خرجت منه وقابلها من الثنايا التي لم أقلها ثرم فليت شعري عن جنبي مكشحة وحيث يبنى من الحناءة الأطم عن الأشاءة هل زالت مخارمها وهل تغير من آرامها إرم وجنة ما يذم الدهر حاضرها جبارها بالندى والحمل محتزم (جبارها) أي: جذوع النخل الضخمة.
وأما (الغفور) فلا يمكن أن يوصف به غير الله أصلاً، فلا يسمى به إلا إذا قصد به معنىً آخر وهو أنه من الغفر الذي هو الخفاء والستر، فقد يقال مثلاً: الليل كافر غافر.
(كافر) معناه: ساتر لما فيه، (غافر) معناه: مكفٍ له، ومنه اشتقاق الغفر الذي هو منزلة من منازل القمر لاختفائها، والمغفر الذي يغفر الرأس، أي: يستره عن السيول.