والحجاب ليس على الله سبحانه وتعالى فهو غير محجوب ولا يمكن أن يحجب أصلاً، بل الحجاب على الناس؛ ولهذا قال: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] ، فالناس هم المحجوبون، فيكشف الحجاب عن الناس فيتجلى لهم ببعض صفاته أو بالكمال الذي فيه فيعرفونه.
وهذا الحجاب أنواع: منه حجاب النور، وهذا في حق المقربين والمصطفين، والحجاب الآخر: هو الحجاب الكوني في حق من سواهم؛ ولهذا قال: (لو كشف الحجاب لأحرقت سبحات وجهه السماوات والأرض وما فيهما) السبحات: هي أنوار وجهه، وقال: (رداؤه الكبرياء) وهذا معناه: اتصافه بصفة الكبرياء سبحانه وتعالى وتجليه بها، وحظره بأن يتصف بها من سواه، وهذا تشريف لصفة الكبرياء؛ لأن الله جعلها رداء نفسه فهي صفة عظيمة جداً محظورة على الخلائق، فهي صفة كمال لله، ولو حاول البشر الاتصاف بها كانت صفة نقص فيهم، وهي مذمومة ولا يجوز أن يتصفوا بها أصلاً.
فإذا قيل: كل صفة كمال اتصف بها المخلوق فالله سبحانه وتعالى أولى بالاتصاف بها، وأن كل صفة نقص هي عيب في المخلوق فالله سبحانه وتعالى منزه عنها من باب الأولى.
فما يقال في صفة الكبرياء؟! فالجواب عن هذا: أن صفة الكبرياء بالنسبة للمخلوق في أصل التصور البشري هي صفة كمال وليست صفة نقص، ولهذا يتصف بها الملوك والجبابرة والكبراء، ولكنها صفة نقص شرعاً، فلو لم ينزل الشرع بتحريمها لكان الناس يتنافسون فيها؛ لأنها من المظاهر التي تميل إليها الطباع، وأيضاً فإن هذه القاعدة محلها فيما لم ترد فيه النصوص، أما ما وردت فيه النصوص فالله سبحانه وتعالى أعلم بنفسه.