أما بالنسبة للصورة فلم يذكرها الشيخ هنا، وقد جاء فيها عدد من الأحاديث، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قاتل أحدكم أخاه فليتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته) وهذا الحديث الراجح فيه أنه ليس من أحاديث الصفات أصلاً، وأن الضمير في قوله: (فإن الله خلق آدم على صورته) يعود على الأخ، أي: صورة أخيك هذا، فإذا كنت تحترم أباك آدم فاعلم أن وجه أخيك هذا قد خلق على صورة وجه آدم، فعظمه واحترمه أن تلطمه وتضربه على وجهه؛ ولهذا فاحترام الوجه مطلوب حتى في حق الكفرة، فإن الله سبحانه وتعالى عندما علم الملائكة القتال، قال: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال:12] وهذا يقتضي اتقاء الوجه في الضرب.
والأحاديث الأخرى فيها التصريح بالصورة في قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم على صورته) وفي رواية: (على صورة الرحمن) فاختلف العلماء في معناه: فقالت طائفة: المقصود بها الصورة التي يرتضيها الله سبحانه وتعالى، فإن أكمل صورة عند الله سبحانه وتعالى هي الصورة التي خلق عليها آدم، وعلى هذا لا تكون الصورة صفة من صفات الله وإنما المقصود بها الاختيار، فصورة الرحمن معناها: الصورة التي هي أفضل الصور عنده وهي التي خلق عليها آدم.
القول الثاني: أن الصورة صفة من صفات الله سبحانه وتعالى، وحينئذٍ تكون من الصفات المشكلات التي يجب الإيمان بها ولا يحل البحث في كيفيتها، وليس معناها أن آدم بينه وبين الله تعالى تشابه، بل المقصود أنه خلق سميعاً بصيراً متكلماً، وهذه صفة الله سبحانه وتعالى فإنه سميع بصير متكلم، وآدم كذلك.
وأما الصورة التي جاءت في حديث يوم القيامة: (أن الله سبحانه وتعالى يتجلى لعباده المؤمنين في صورة ينكرونها، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: لست ربنا، ثم يتجلى لهم في أحسن صورة فيعرفونه فيكشف عن ساقه فيخرون له سجداً) ، فالصورة حينئذٍ المقصود بها ما يريهم الله سبحانه وتعالى.
فالصورة الأولى ليست ذات الله سبحانه وتعالى قطعاً؛ لأنهم لم يعرفوه بها.
والصورة الثانية كذلك؛ لأنها بدل عن الأولى، فليس المقصود أن ذلك نظر إلى ذاته سبحانه وتعالى، وأن ذاته يجوز إطلاق الصورة عليها بدلالة هذا الحديث؛ لأن هذا الحديث فيه أنهم يرونه في صورته فيقولون: لست ربنا فيأتيهم في صورة أخرى، فهذا دليل على أنه ليس المقصود بذاته؛ لأنه لا تعروه الحوادث والآفات، ولا يمكن أن يحصل عليه تغير؛ لأن التغير منافٍ للخلود، ولكن المقصود ما يتجلى لهم.