قال: (وليس مثله علا شيء) هذا هو النفي المجمل وهو الوارد في قوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وذلك أن الناس في صفات الله سبحانه وتعالى افترقوا إلى ثلاثة مذاهب: المذهب الأول: هم المشبهة الذين انطلقوا من أوهام العقول فشبهوه بالمخلوقات.
والقسم الثاني: هم المعطلة الذين نفوا عنه ما أثبته لنفسه من الصفات.
والقسم الثالث: هم أهل الحق الذين لم يشبهوه بخلقه، ولكنهم لم ينفوا عنه ما أثبته لنفسه، فيثبتون ما أثبته لنفسه على مقتضى ما يليق به، وينزهونه عن مشابهة خلقه، فهذه الآية جاءت رداً على الطائفتين المنحرفتين المشبهة والمعطلة، ففيها قول الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] وهو ردٌ على المشبهة، وقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] وهو رد على المعطلة، وسنذكر إن شاء الله أن لدينا طائفتين هما طرفان: المشبهة والمعطلة، وأهل الحق في هذا وسط بين الطائفتين.
لكن هناك أيضاً طرفان لأهل الحق: طرف لديه زيادة قليلة في الإثبات، وطرف لدية زيادة قليلة في التنزيه، فلذلك كل واحد من الطرفين يتهم الآخر بانتسابه إلى الطرف الذي يليه، فالذين هم أهل إثبات وعندهم فيه زيادة قليلة يتهمهم من سواهم بأنهم مشبهة، وينسبونهم إلى من ورائهم، والذين لديهم تنزيه زائد أيضاً ينسبهم غيرهم إلى من ورائهم من المعطلة، وهم وسط بين هاتين الطائفتين، وهذا ما سنبينه إن شاء الله، والشيخ احترز من الطائفتين بقوله فيما سبق: (لا ما يقول من لذا أو ذا انتمى زعماً ولم يسر على ما رسما) فلذلك كثير من الأشاعرة ينسبون بعض الحنابلة إلى التشبيه وليسوا مشبهين، لكن نظراً للإثبات الذي فيه زيادة قليلة، وكذلك كثير من الحنابلة ينسبون الأشاعرة إلى التعطيل، وليسوا معطلة في أغلبهم، لكن مقصود ذلك أنهم بالغوا في التنزيه أيضاًَ.
قوله: (فليس مثله علا شيء) (شيء) هي اسم ليس، أي: وليس شيء مثله (علا) أي: تعالى، وفيه إثبات صفة العلو لله سبحانه وتعالى وسنذكرها إن شاء الله تعالى بالتفصيل.
قوله: (ولا يلزم ذا نفي صفاته العلا) أي: نفي التشبيه عنه لا يقتضي نفي صفاته التي أثبتها لنفسه، (ولا يلزم ذا) معناه: إذا نفينا عنه التشبيه، فلا يقتضي ذلك إلزامنا بنفي صفاته التي أثبتها لنفسه، بل نثبت له ما أثبته لنفسه ولا يقتضي ذلك تشبيهاً له بخلقه، لذلك قال: