وأهمية الحوار في حياتنا كبيرة جداً، فمن جهة نحتاج أن نعرف أدب الحوار؛ لأن الدعوة إلى الله عز وجل تحتاج إلى الحوار، حوار الداعي مع المدعو، والله عز وجل قال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} النحل:125] وهذا أمرٌ بالحوار في الدعوة.
ثانياً: الوصول إلى الحق نحتاج إلى الحوار للوصول إلى الحق، وهدفٌ عظيم أن يصل المسلم إلى الحق.
ثالثاً: الرد على أهل الباطل، وهذا يتم بالحوار لإقناعهم، وهو فرعٌ من الدعوة التي تقدم الحديث عنها، وعلى سبيل المثال: المنافقون في عصرنا يتكلمون عن تحرير المرأة، ويدْلون بحجج هي واهية، لكن لابد من الحوار مع هؤلاء لإسقاط الحجج التي احتجوا بها وبيان وهيها؛ فمثلاً يقولون: لماذا تنكرون الاختلاط وهناك اختلاط في الحرم؟ فنقول: فرقٌ بين الاختلاطين الاختلاط العارض والاختلاط الدائم، فهذه حال امرأة تدخل الحرم لكي تؤدي العمرة أو الحج في الطواف والسعي، ثم بعد ذلك تنفصل عن الرجال في الصلاة، ثم أنتم تقولون: تختلطوا في الأعمال وأماكن الدراسة والعمل طيلة العام؛ فأين هذا من هذا؟ ثم هذه عبادة أقل شيء أن الإنسان يستحي فيها من أن يعمل شيئاً محرماً، أو أن تتبرج المرأة وتتزين أو تغري، أو أن تجذب إليها الفسقة وغيرهم، ثم أين هذا من وقوع ذلك يومياً وباستمرار في الأعمال وأماكن الدراسة ونحو ذلك؟ ثم إن هذا الاختلاط في تلك الأماكن لا يخلو من زينة ودنيا، بخلاف ما يحدث في الحرم من دين وعبادة ونحو ذلك من أوجه الرد، والشاهد أن المسألة مسألة حوار للرد عليهم.
عندما تأتي امرأة عاهرة لا تضع حجاباً على وجهها ولا على شعرها، وتقول: لماذا تأمروننا بتغطية الوجه، وكشف الوجه مذهب الأئمة الثلاثة؟ فنقول: أولاً من سمح لكِ أن تتكلمي في الفقه؟ وما علاقتك بالأحكام الشرعية؟ إن الذي يتكلم في الأحكام هم العلماء وطلبة العلم، أما الفاسق والفاسقة من هؤلاء المنافقين والعلمانيين فلا دخل لهم بالعلم الشرعي، ولا يجوز لهم أن يتحدثوا في هذا الأمر، ولا أن يرجحوا وينظروا في الأدلة.
ثم هل يريدون الذي يناقش في ذلك من أرباب الأهواء والشهوات بالتأكيد أنه لا يريد الوجه فقط؛ بل يريد ما بعد الوجه من كشف الشعر وبقية الجسم والاختلاط إلخ.
فإذاً يريدون مسألة الوجه أن يدقق الكلام فيها للتوصل إلى ما بعدها من الفساد، وهكذا فالمقصود أننا في الواقع نتعرض لكلام هؤلاء فيجب أن نجيب عليهم، وأن نقيم عليهم الحجة، وقد ندخل في حوارات مع مثل هؤلاء، فلابد أن يكون لهذه الحوارات شروطاً وآداباً، ثم إننا نعيش -أيها الإخوة- في عصرٍ قد كثرت فيه الآراء والاجتهادات، والوصول إلى تنقيح هذه الآراء ومعرفة الصواب منها يحتاج إلى حوار، نحن الآن في أمرٍ مريج قلة العلم، وكثرة القضايا، وهي مشكلة كبيرة، وهذا لا شك يحتاج إلى إجادة الحوار.
ثم من فوائده أيضاً: التعليم، فهناك حواراتٌ تعليمية؛ كما حدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام في الحديث المشهور بحديث جبريل، وهذا الذي ندعو الشباب إلى إقامته كبديلٍ نافع عن التمثيليات التي فيها شبهات من الكذب، أو تقمص الشخصيات، أو ادعاء أشياء ونحو ذلك، فنقول لهم: إذا أردتم بديلاً عن التمثيليات التي فيها كلامٌ كثير فأعطونا الحوارات العلمية أو الحوارات المفيدة، أقيموا حوارات بين اثنين أو أكثر يظهر فيها تعلم أمور نافعة بدلاً من هذه التمثيليات التي يكون فيها غناء، أو يكون في بعضها محرم أو شبهة.
وكذلك فإن الحوار فيه استرجاع للصفاء عند حصول الشحناء؛ فإن مما يزيل الشحناء الحوار أو المعاتبة، والمعاتبة حوار؛ لأن كلاً من الطرفين سيبدي معذرته ولماذا فعل ما فعل، وإزالة الشحناء والبغضاء في الحوار بالمعاتبة هي نوعٌ من الحوار