ومما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث.
حديث: (صح جسمك يا خوات) وهذا الحديث رواه الحاكم، وفي سنده موسى بن زكريا التستري , قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال: موسى بن زكريا التستري الذي يروي عن شباب العصفري ونحوه تكلم فيه الدارقطني , وحكى الحاكم عن الدارقطني أنه متروك، وقال ابن حجر في لسان الميزان عن موسى بن زكريا التستري الذي هو في إسناد (صح جسمك يا خوات) قال: الذي يروي عن شَبَاب العصفري ونحوه تكلم فيه الدارقطني، وحكى الحاكم عن الدارقطني بأنه متروك, وهذه العبارة في ميزان الاعتدال ولسان الميزان لـ ابن حجر.
إذاً: علة هذا السند هو موسى بن زكريا التستري.
ولنأت الآن إلى بعض الأحاديث التي وردت مما أورده المصنف رحمه الله وغيره, ونريد معرفة صحة هذه الأحاديث من مزاح النبي عليه الصلاة والسلام, عن أم أيمن أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة لزوجها، فقال لها: (من زوجك؟ قالت: فلان, فقال: الذي في عينه بياض؟ فقالت: أي رسول الله! ما بعينه بياض, قال: بلى.
إن بعينه بياضاً, فقالت: لا والله, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وما من أحدٍ إلا في عينه بياض)، وفي رواية: (فانصرفت عجلة إلى زوجها، وجعلت تتأمل عينيه, فقال لها: ما شأنك؟ فقالت: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في عينيك بياضاً, فقال: أما ترين بياض عيني أكثر من سوادها).
وكذلك قد جاء أنه مزح صلى الله عليه وسلم مع محمود بن الربيع، والقصة معروفة وهي في الصحيح، ومجّ مجّة من دلوٍ من ماء في وجهه, فداعبه بها أو مازحه بها.
وكذلك مما ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال للشفاء بنت عبد الله: (علمي حفصة رقية النملة) وهي قروح تخرج في الجنب, هذه الرقية يقول فيها بعض العلماء: إن فيها إشارة إلى مزاحه صلى الله عليه وسلم ومداعبته لزوجته حفصة , قالوا: إنها كانت -أي: الرقية- كلاماً تقوله النساء مما لا يضر ولا ينفع, وهو أنهم كانوا يقولون:
العروس تحتفل وتختضب وتكتحل
وكل شيء تفتعل غير ألَّا تعصي الرجل
فقيل: إنه عليه الصلاة والسلام أراد مزاحاً ولغزاً في الكلام؛ لأنه كان قد ألقى إلى حفصة سراً، فأفشته، فقال للشفاء: (علميها رقية النملة) لأن في رقية النملة هذه العبارة: "غير ألَّا تعصي الرجل" وأنها قد عصته بإفشاء سره.
وقال البعض: ليس الأمر مزاحاً إنما تعليماً، وأنه قال: كما علمتها الكتابة، وأن هذه الرقية رقية جادة وليست مزاحاًَ على الاختلاف في شرح هذا الحديث, لكن هذا قول من الأقوال التي وردت في شرحه.
وعن النعمان بن بشير قال: استأذن أبو بكر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع صوت عائشة عالياً، فلما دخل تناولها ليلطمها -أي: أبو بكر أراد أن يؤدب بنته, كيف ترفع صوتها على النبي صلى الله عليه وسلم؟! - وقال: لا أراك ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبسه -أي: يمنع أبا بكر من ضرب عائشة - فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج أبو بكر لـ عائشة: (كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟ قال: فمكث أبو بكر أياماً، ثم استأذن، فوجدهما قد اصطلحا، فقال لهما: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد فعلنا) رواه أبو داود.
وثبت من ممازحته عليه الصلاة والسلام وتلطيف الجو بين نسائه، والضرائر يكون بينهن ما يكون, عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بيت عائشة، فبعث إليه بعض نسائه بقصعة - فغارت عائشة: كيف تأتي بصحن طعام في بيتي وفي يومي؟ تتجرأ هذه الجرأة- فأخذت عائشة القصعة وألقتها، فكسرتها، من غيرتها رضي الله عنها, فجعل النبي صلى الله عليه وسلم -في البخاري وغيره- يضم الطعام ويجمعه ويجمع كسر الإناء, ويقول: (غارت أمكم) أي: عائشة، لأنها أم المؤمنين، هذا من مزاحه عليه الصلاة والسلام، ومن ملاطفته أو من تلطيف الجو المتكهم نتيجة الغيرة بين نسائه.
يقول العلماء: "إن الغيرة يعذر فيها صاحبها أو صاحبتها ما لا يعذر الشخص الذي لا يكون عنده هذه الغيرة, حتى قيل: الغيرة لا ترى أسفل الوادي من أعلاه" أي: إذا بلغت بها الغيرة شدتها لا تعرف أسفل الوادي من أعلاه, تنقلب الأمور عندها وتنعكس.
ولذلك ربما يغتفر منها في الغيرة ما لا يغتفر من المرأة العادية, هذا فيه إشارة إلى أن الشخص -مثلاً- لو تزوج امرأة واحدة، ثم تزوج عليها أخرى فحدثت غيرة شديدة من الأولى أو الثانية ولكن الغيرة من الأولى أكثر، فساء تصرفها، فعليه أن يحتمل ذلك ويعذرها لأجل ما فيها من الغيرة, كما هو مركبٌ في طبع النساء, فعليه أن يعذر في هذه الحالة, فلما جاءت قصعة عائشة بعث بها إلى صاحبة القصعة التي كسرتها، وأعطى عائشة القصعة المكسورة, فعدل عليه الصلاة والسلام, وعوض صاحبة القصعة المكسورة بقصعة المرأة التي كسرتها.
وكذلك فإنه قد جاء في حديث رواه أبو يعلى، وقال الحافظ العراقي: إسناده جيد, أن عائشة قالت: (كان عندي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسودة , فصنعت خزيراً -الخزير: نوع من الطعام يستخدم فيه اللحم والدقيق- فجئت به، فقلت لـ سودة: كلي, فقالت: لا أحبه- فظنت عائشة أنها قالت: لا أحبه؛ لأنها لا تريد أن تأكل من صنعها وأنها نفرت من صنعها، أو أن فيها إذلالاً أو في تصرفها شيء- فقالت: والله لتأكلين أو لألطخنّ وجهك -كل هذه الأشياء لا بد أن تفهم في قضية الغيرة الموجودة بين النساء, والإنسان العادي لا يحتمل ما يحصل- فقالت: ما أنا بباغية, فأخذت شيئاً من الصحفة فلطخت به وجهها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ما بيني وبينها, فخفض لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبتيه لتستقيد مني, فتناولت من الصفحة شيئاً، فمسحت به وجهي, وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك).
وجاء كذلك عند أبي داود عن أسيد بن حضير -رجل من الأنصار- قال: بينما هو يحدث القوم وكان فيه مزاح، وبينما هو يضحكهم، فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود, فقال: أصبرني، فقال: (اصطبر -أي: أنت طعنتني وأنا أريد أن أقتص- قال الأعرابي: إن عليك قميصاً يا رسول الله! وليس علي قميص -لا بد من العدل، أنت طعنتني وليس علي قميص، في اللحم مباشرة, وأنا أريد أن يكون في اللحم مباشرة- فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن قميصه، فاحتضنه وجعل يقبل كشحه- أي: يقبل جلده وبياضه- قال: إنما أردت هذا يا رسول الله) الحديث رواه أبو داود في كتاب الأدب.
ومن أمثلة الممازحات التي ليست في موضعها وتصلح أن تكون مثالاً يأتينا في الضوابط، ما رواه أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث علقمة بن مجزر على بعثٍ وأنا فيهم, فلما انتهى إلى رأس غزاته، أو كان ببعض الطريق استأذنته طائفة من الجيش فأذن لهم، وأمّر عليهم عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي، فكنت فيمن غزا معهم, فلما كنت ببعض الطريق أوقد القوم ناراً ليصطلوا، أو ليصنعوا عليها صنيعاً- أي: يطبخوا عليها- فقال عبد الله - وكانت فيه دعابة أليس لي عليكم السمع والطاعة؟ قالوا: بلى.
قال: فما أنا بآمركم بشيء إلا صنعتموه, قالوا: نعم.
قال: فإني أعزم عليكم إلا تواثبتم في هذه النار - أي: تدخلوا في هذه النار- فقام أناس فتحجزوا، فلما ظن أنهم واثبون- أي: أنهم فعلاً سيثبون بها- قال: أمسكوا على أنفسكم، فإنما كنت أمزح معكم, فلما قدمنا -أي: على النبي صلى الله عليه وسلم- ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أمركم منهم بمعصية الله فلا تطيعوه) الأمير إذا أمر بمعصية الله فلا تطيعوه, أنتم تريدون الهرب من النار، فكيف تقعون فيها؟ هذا الحديث موجود في أحد الكتب الأربعة؛ أبو داود، أو النسائي، أو الترمذي، أو ابن ماجة.
وهذا حديث آخر رواه ابن ماجة، وفيه ضعف؛ لأن في إسناده زمعة بن صالح وهو متكلمٌ فيه, أن أبا بكر خرج في تجارة إلى بصرى قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بعام ومعه نعيمان وسويبق بن حرملة , وكانا قد شهدا بدراً , وكان نعيمان على الزاد، وكان سويبق رجلاً مزاحاًَ، فقال لـ نعيمان: أطعمني، قال: حتى يجيء أبو بكر , قال: فلأغيظنك -أي: سأضع لك مقلباً- قال: فمروا بقوم، فقال لهم سويبق: تشترون مني عبداً لي؟ قالوا: نعم.
قال: إنه عبد له كلام، وهو قائل لكم: إني حرٌ, فإذا قال لكم هذه المقالة تركتموه، فلا تفسدوا علي عبدي, قالوا: لا بل نشتريه منك, فاشتروه منه بعشر قرائص -بعشر من الإبل- قال: خذوه, ثم أتوه فوضعوا في عنقه عمامة أو حبلاً، فقال