ومن آداب الكلام: أن الإنسان لا يتكلم إلا إذا كانت الكلمة يراد بها وجه الله؛ لأنه قد يتكلم إظهاراً لعلمه، أو معرفته أو فصاحته وبيانه، أو استئثاراً بالمجلس، أو ترفعاً عن الخلق، أو إيذاءً للآخرين، أو حباً للظهور وترأساً للمجلس هذه من بواعث الكلام، فينبغي أن يكون الباعث لله، لا يتكلم إلا بما يرضي الله؛ ولذلك الإنسان المسلم يترك الكلام إذا فكر أن في تركه إرضاءً لله، وأن الإخلاص ألا يتكلم، وإذا دعته نفسه للكلام لهوى فليصمت، وإذا دعته للصمت لهوى فليتكلم.
ولا يجوز له مع ذلك أن يسكت عن تعليم جاهل أو تنبيه غافل، أو أمر بالمعروف أو نهي عن المنكر، فهو لا يزال يمشي بين تلك الضوابط.
ومن الأدلة والأمثلة الجميلة على أن الإنسان قد يريد أن يتكلم أحياناً، لكنه إذا فكر وعرف أن مصلحة الكلام أقل وأن مفسدة الكلام أكبر فيترك الكلام، هذا الحديث الذي رواه البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه: [لما تولى معاوية -رضي الله عنه وعن بقية الصحابة أجمعين- الأمر خطب فقال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه، فلنحن أحق به منه ومن أبيه.
قال حبيب بن مسلمة: فهلا أجبته؟ -يقصد عبد الله بن عمر الذي كان موجوداً في المكان- قال عبد الله: فحللت حبوتي -وكان ابن عمر محتبياً- وهممت أن أقول: أحق بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك على الإسلام.
-أي: أن ابن عمر يريد أن يقول: أحق بهذا منك من كان من المهاجرين والأنصار الذين قاتلوك أنت وأباك؛ لأن معاوية من متأخري الإسلام رضي الله عنهم أجمعين- فهمَّ ابن عمر أن يتكلم وأن يقول: أحق بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك على الإسلام، قال ابن عمر: فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع وتسفك الدم ويحمل عني غير ذلك -أي: يفهم مني غير ما أقصد، وربما يفهم أن له مطمعاً في الملك- قال ابن عمر -وهذا الشاهد-: فذكرت ما أعد الله في الجنان من أجر كظم الغيظ والسكوت عندما تقتضي المصلحة السكوت من الكلام، قال حبيب: حُفظت وعُصمت يا بن عمر].
فهذا دليل على أن الإنسان قد يريد أن يتكلم ويستفز لكن يسكت؛ لأن المصلحة في السكوت، أي: المصلحة الشرعية وهي مصلحة الدين واجتماع المسلمين ونحو ذلك.