وقد جاء في القرآن الكريم ذكر الهدية، فقالت ملكة سبأ- بلقيس - لما خافت من سليمان عليه السلام، قالت للملأ من حولها: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ * فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} [النمل:35 - 36].
فأرادت استمالة قلب سليمان لدفع الضرر عنها، وأرادت مصانعته، وأن تثنيه عن دعوته لها ولقومها وتهديدهم لهم، وسليمان لم يقبل الهدية؛ لأنها لم تكن لوجه الله، ولا كان فيها معروف، وإنما أرادت إيقافه عن جهادها، عن الجهاد وقتال هذه البلدة وهي اليمن، فلما رأى سليمان عليه السلام أن هذه الهدية ليس فيها خير ولم يرد بها وجه الله ردها، وقال: {بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا)) [النمل:36 - 37] ليعلموا أننا نريد الجهاد وإقامة الدين، وليست القضية مجاملات وهدايا، كما هي العادة بين الملوك: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل:37] حتى لا ينخدعوا بحطام هذه الدنيا أو يظنوا أننا نغتر بالهدايا أو أننا سنترك الجهاد لأجل هديتهم: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} [النمل:37].
ومما يدخل -أيضاً- في الهدية مثل العطية والهبة، أو مما يقرب من معناها ما جاء في قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} [النساء:4] فالله عز وجل أمر بإيتاء النساء المهور.
{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:4] ومعنى نحلة: عطية عن طيب نفس.
وقال: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ} [النساء:4] وهبنه لكم، وتنازلن عنه لكم: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} [النساء:4] فإذا تنازلت عن جزء من الصداق لزوجها أو أعطته إياه بعدما استلمته منه دون ضغط منه ولا إكراه، وإنما عن طيب نفسٍ منها ورضا: {فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} [النساء:4].
فإذاً: من أعظم الحلال الذي يؤكل، المغانم: (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً} [الأنفال:69] وهو أعظم أنواع المال الحلال، بل هو أشد الأموال حلة، وقد فاتنا هذا النوع من المال بسبب ترك الجهاد.
وكذلك من الأموال الحلال الطيبة، ما تتنازل به المرأة من مهرها لزوجها، قال الله عز وجل: {فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} [النساء:4] ولذلك جاء عن بعضهم أنه قال: إذا أردت أن تستشفي فاستوهب درهماً من زوجتك عن طيب نفسٍ منها، ثم اشتر به عسلاً، وهاتِ إناءً واجمع فيه من ماء المطر، ثم اقرأ القرآن وأذب العسل فيه واشربه، قال: أما ماء المطر فإنه ماءٌ مبارك، والعسل فيه شفاءٌ للناس، والقرآن -أيضاً- فيه شفاء، ودرهم الزوجة هنيئاً مريئاً، فإنك تبرأ بإذن الله.