الحمد لله وحده، أشهد أن لا إله إلا الله، هو الحي القيوم الغني، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
ومن أنواع الديون -أيها الإخوة- الدين الذي يكون للعامل عند صاحب العمل، فإن بعض العمال قد يغادرون البلاد، ولهم عند أصحاب العمل رواتب لم يستلموها، وهذه الرواتب هي ديون ولا شك على صاحب العمل، وهنا تبرز مسئولية صاحب العمل في البحث عن هؤلاء العمال الذين انتقلوا من أماكنهم، حتى يوصل إليهم حقوقهم، ولو اضطر لأن يسافر إلى آخر الدنيا.
ويدل على عظم حق العامل حديث الثلاثة الذين كانوا يمشون في مطر، فدخلوا غاراً، فانطبقت عليهم الصخرة، فكادوا أن يموتوا، حتى صار كل واحد منهم يدعو الله بعملٍ صالح لعل الله يفرج عنه، فواحد دعا الله بعمل صالح في بر والديه، وواحد دعا الله بعمل صالح في أنه قد قام عن امرأة كاد أن يزني بها خشية لله، وقال الثالث: اللهم إني كنت استأجرت أجيراً، فلما قضى عمله، قال لي: أعطني حقي، فعرضت عليه فرقه فرغب عنه، فلم أزل أزرعه -أي: أنميه- حتى جمعت منه بقراً ورعاءً -وهذه هي الأمانة، فصاحب العمل ينمي هذا الدين الذي عليه للعامل- فجاءني في يوم من الأيام، وقال: اتق الله ولا تظلمني حقي، قلت: اذهب إلى تلك البقر ورعائها فخذها كلها، فقال: اتق الله ولا تستهزئ بي -ظن أنه يستهزئ به، لأن المال الأصلي قليل- فقلت: إني لا أستهزئ بك، فأخذه وذهب به، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج ما بقي، ففرج الله ما بقي من الصخرة وخرجوا، قال العلماء: وهذا أعظم الثلاثة، لأن الله فرج عنهم بسببه التفريج التام، وأزال الصخرة.
إن أصحاب العمل اليوم يظلمون عمالهم، ويأكلون من حقوقهم، هؤلاء العمال أجرهم لن يضيع عند الله، وهذا الظلم لن يذهب وإن مات الغني غنياً في الدنيا، ومات العامل فقيراً في الدنيا، فإن لهم يوم القيامة شأنا آخر، فبادر يا صاحب العمل إلى أن توفي ما عليك لأصحابه، قبل أن يكون يوم لا مال فيه ولا دينار ولا درهم، وإنما بالحسنات والسيئات.