الكرم ومنزلته عند العرب وذم البخل والبخلاء

وختاماً: فإن الإكرام من الأمور الحسنة الطيبة التي جاء بها الإسلام ودل عليها العقل والفطرة السليمة، وحتى العرب كانوا يعرفون ذلك، وكان ذلك من شئونهم، وقالوا كلاماً كثيراً، وأشعاراً حسنة في هذا الباب، ومن ذلك هذه الأبيات التي جاءت في الكرم والبخل يقول:

لعمرك ما الأرزاق يوم اكتيالها بأكثر خيراً من خوان عذافر

هذا الفرزدق يمدح عذافر المشهور بالكرم:

ولو ضافه الدجال يلتمس القرى وحل على خبازه بالعساكر

بعدة يأجوج ومأجوج كلهم لأشبعهم يوماً غداء العذافر

طبعاً هذا من المبالغات، وقال الخريمي:

أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمحل جديب

وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ولكنما وجه الكريم خصيب

يقول: الإكرام بطلاقة الوجه أهم من الإكرام بالأكل.

وكذلك قال عمر بن الأحسن التيمي الذي شعره كأنه حلل منشرة:

ذريني فإن الشح يا أم مالكٍ لصالح أخلاق الرجال سروق

ذريني وحظي في هواي فإنني على الحسب العالي الرفيع شفيق

ومستنبح بعد الهدوء أجبته وقد حان من ساري الشتاء طروق

والمستنبح: هو الكلب.

فقلت له أهلاً وسهلاً ومرحباً فهذا مبيت صالحٌ وصديق

أضفت ولم أفحش عليه ولم أقل لأحرمه إن الفناء يضيق

لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق

وأما في البخل فقالوا أيضاً أبياتاً مما يعيب البخيل، فمن ذلك قول حماد عجرد:

وجدت أبا الصلت ذا خبرة بما يصلح المعدة الفاسدة

تخوف تخمة أضيافه فعلمهم أكلة واحدة

وقال حاتم الطائي:

إذا ما بخيل الناس هرت كلابه وشق على الضيف الغريب عقورها

فإن كلابي قد أقرت وعودت قليلٌ على من يعتريها هريرها

إذا حل ضيفي بالفلاة ولم أجد سوى منبت الأطناب شب وقودها

وقال بعضهم:

يستأنس الضيف في أبياتنا أبداً فليس يعلم خلقٌ أينا الضيف

من مستأنس البيت ما تدري من هو الضيف.

وقيل للأوزاعي: رجلٌ قدم إلى ضيفه الكامخ والزيتون وعنده اللحم والعسل والسمن؟ قال: هذا لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر.

وقال بعضهم:

لا در دري إن أطعمت نازلهم خبز الشعير وعندي البر مكنوز

وقال أحد البخلاء:

أعددت للضيفان كلباً ضارياً عندي وفضل هراوة من أرزن

وهذا نوع من الشجر الصلب تتخذ منه العصي.

ومعاذراً كذباً ووجهاً باسراً متشكياً عض الزمان الألزن

ورأى الحطيئة رجلاً وبيده عصا فقال: ما هذه؟ قال: عجراء بنت سلم، قال: إني ضيف، قال: للضيفان أعددتها.

وقال آخر:

وأبغض الضيف ما بي جل مأكله إلا تنفخه حولي إذا قعدا

مازال ينفخ جنبيه وحبوته حتى أقول لعل الضيف قد ولدا

وقال بعضهم:

استبق ود أبي المقاتل حين تأكل من طعامه

سيان كسر رغيفه أو كسر عظمٍ من عظامه

فتراه من خوف النزيل به يروع في منامه

وقال بعضهم:

يا تارك البيت على الضيف وهارباً منه من الخوف

ضيفك قد جاء بخبزٍ له فارجع فكن ضيفاً على الضيف

وأخيراً: قال أعرابي يصف أحد هؤلاء:

أقاموا الديدبان على يفاعٍ وقالوا: لا تنم للديدبان

قال صاحب بيت لحارسه: إذا رأيت ضيفاً يقدم علينا فأخبرنا به.

فإن أبصرت شخصاً من بعيدٍ فصفق بالبنان على البنان

ثم قال: إنهم من بخلهم جعلوا الصلاة بلا أذان، خافوا إذا أذنوا أن يسمع الناس الصوت ويأتون.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن أكرموا ضيوفهم وأن يجعلهم ممن أكرمهم إكراماً في جنات النعيم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015