من إكرام الضيف: إيثاره، وقد جاء في صحيح البخاري في القصة العظيمة التي عجب الله من أصحابها وضحك إليهم، وإذا ضحك الله إلى عبدٍ فلا عذاب عليه، وذلك دليل رضاه عز وجل عنه، هذه القصة التي أخفيت في الليل فنشرها الله في الصباح، وأنزل الوحي بها على نبيه عليه الصلاة والسلام، أن الله في السماوات عجب وضحك إلى هذين الصحابيين الجليلين الرجل وزوجته.
والقصة عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جائع يريد من يضيفه، فبعث إلى نسائه عليه الصلاة والسلام فقلن: ما معنا إلا الماء -وهذا بيت أعظم قائد في الأمة ما عنده إلا ماء- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يضيف هذا؟ فقال رجلٌ من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني، قال: هيئي طعامك وأصلحي سراجكِ ونومي صبيانكِ إذا أرادوا عشاء -إذا طلبوا الأكل نوميهم- فهيئت طعامها وأصلحت سراجها يعني: -أشعلت الفتيلة- ونومت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها -كأنها حركة تمثيلية- فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان).
وليس من الأدب أنك تغلق النور على الضيف وإن كان بعض الناس عندهم عادات في الضيافة منها ما هو حسن ومنها ما هو قبيح، فبعضهم يغلق النور على الضيف يقول: حتى لا يستحي، وبعضهم لا يحضر مع الضيف نهائياً، وبعضهم وبعضهم لذلك ابن القيم قال: تخلف وتكلف في أشياء ما أنزل الله بها من سلطان.
فبطبيعة الحال لا بد من السراج من أجل أن يرى الضيف، يدخل على بيتٍ منير لكن في الوقت نفسه ستكون هناك تمثيلية أخرى بعد قليل يريانه أنهما يأكلان وهما لا يأكلان حتى لا يشعر هو بالحرج أنهما لا يأكلان، فلذلك قامت كأنها تصلحه فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان بالصوت ووضع اليد في الإناء ورفعها وهي ما فيها شيء -كما أن جماعة من الفقراء حضرهم طعام فأطفئ السراج وجعلوا يأكلون فلما طلع النهار وجد الطعام بحاله.
كل واحد يريد أن يؤثر- قال: فأطفأته فجعلا يريانه أنهما يأكلان فباتا طاويين، فلما أصبح الضيف وصاحب البيت غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (ضحك الله الليلة -أو عجب- من فعالكما فأنزل الله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9]) رواه البخاري.
فهذا الموقف العظيم إكرام الضيف وإيثاره بطعام صاحب البيت وزوجته والأطفال هذا موقف ذكر في السماء فضحك الرب فرضي عنهما، وأنزلت آية في القرآن بسبب إكرام الضيف، نزلت آية {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9] أي: جوع وحاجة.
قال العلماء: إن طعام الأولاد مقدم على طعام الضيف شرعاً، ولكن إذا كان بهم جوعٌ خفيف لا يضرهم جاز تقديم الضيف كما حصل في هذه الآية، وتغلب إكرام الضيف على المشاعر الجياشة للأب والأم لأجل الفقير الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا قال: (ألا رجلٌ يضيف هذا الليل يرحمه الله؟) هذه كلمة كافية -دعاء يرحمه الله- في أن يأخذ الضيف ويقدمه على نفسه وزوجته وأولاده، فكان موقفاً عظيماً ذكر في السماء ونزل إلى الأرض وأخبر به أهل الأرض، وكان فيه إخلاص واضح جداً في إطفاء السراج؛ ما أشعر الضيف بأي شيء وأكل ولم يشعر بأن هناك أمر عَكِر أو حرج، ولذلك أهل الإخلاص إذا أخفوا أعمالهم فالله يكشفها ليكونوا قدوة {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74].
ومن إكرامه كذلك: أن الإنسان ولو كان صائماً فإنه لا ينسى الطعام لأجل الضيوف، فعن أبي أمامة قال: قلت: (يا رسول الله! مرني بعمل أدخل به الجنة؟ فقال عليك بالصوم فإنه لا مثل له) يعني في الأجر لا مثل له، قال الراوي: [فكان أبو أمامة لا يرى في بيته الدخان نهاراً -ليس هناك طبخ، صيام دائماً- إلا إذا نزل به ضيفٌ فيرى الدخان نهاراً] رواه عبد الرزاق في المصنف، بل إن الإنسان لا بأس أن يفطر من أجل الضيف إذا كان صائماً صوماً مستحباً إذا كان يشق على الضيف أن يبقى صاحب البيت صائماً، وفي ذلك أحاديث.
وقال عطاء: سألت سلمان بن موسى أكان يفطر الرجل لضيفه؟ قال: نعم.
وكان الحسن يرخص للرجل الصائم إذا نزل به الضيف أن يفطر ويقضي يوماً مكانه، قال: إنه رحمه الله إذا دخل في صوم تطوع استحب له الإتمام لقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:33] ولكن إذا شق على ضيفه صومه فيستحب أن يفطر فيأكل معه لقوله صلى الله عليه وسلم: (وإن لزورك عليك حقاً) يعني: لزوارك، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) أما حديث: (من نزل على قومٍ فلا يصومن تطوعاً إلا بإذنهم) فرواه الترمذي وقال: حديث منكر، أما إذا لم يشق على ضيفه صومه التطوع فالأفضل بقاءه على الصيام، فإذاً هذا هو التفصيل، لو أن أحدهم قال: أنا صائم وجاءني ضيف ماذا أفعل؟ نقول: إذا كان لا يشق على الضيف أن تبقى صائماً ولا يشعر بالحرج أنه يجلس يأكل وأنت لا تأكل كبعض إخوانك المقربين الذين عندهم مثل هذا الشيء عادي لو ما أكلت وهم أكلوا لا بأس، فإذاً البقاء على الصيام أفضل، وإن كان هناك مشقة عليهم يروك لا تأكل معهم، أو يراك الضيف لا تأكل معه، فعند ذلك الأفضل أن تفطر لأجل الضيف، وتقضي يوماً مكانه لتحصل الأجرين معاً.
بل نص العلماء على جواز الأكل فوق الحاجة من أجل الضيف، مع أن الأكل فوق الحاجة مكروه، وورد عن بعض الصحابة أن ولده لما أصابه من التخمة مرض قال: لو مات ما صليت عليه لأنه اعتبره مثل القاتل لنفسه الذي يأكل حتى يتفجر فيموت، فما حكم الأكل فوق الحاجة؟ قالوا: مكروه أما إذا وصل لدرجة الهلكة فهذا حرام وانتحار؛ لكن الأكل فوق الحاجة مكروه إلا إذا عرض له غرضٌ صحيح في الأكل فوق الشبع فحينئذٍ لا بأس بذلك ذكروا مثالين: أن يزداد الأكل استعداداً لصيام غد طويل حار.
والمثال الثاني: لأجل الضيف قال: بأن يأتيه ضيفٌ فيأكل الضيف ويستمر الضيف في الأكل وصاحب البيت شبع فيزداد في الأكل من أجل ألا يحرج الضيف؛ لأنه إذا توقف صاحب البيت فربما توقف الضيف وقد يكون الضيف بحاجة الطعام أو فيه جوع، أو أن بدنه أو جسده أعظم أو أكبر وذاك نحيل لا يحتاج إلى طعامٍ كبير فيجوز له أن يزيد عن الشبع لأجل إكرام ضيفه لئلا يخجل.
وكذلك من الآداب إباحة الشريعة السمر مع الضيف بعد العشاء رغم كرهها للكلام بعد العشاء، كما في حديث النهي عن النوم قبل العشاء والكلام بعده -بعد العشاء- إلا لمصليٍ أو مسافر أو مع ضيفه يسامره، ليس سمراً على البلوت والأفلام والكلام القذر والغيبة لأجل الترويح عن الضيف من عناء السفر والإكرام والمباسطة المباسطة جزء كبير من الإكرام سيأتي مزيد عن الكلام عن ضيافة المشرك والتفصيل فيها.