الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فالحديث في هذه الليلة في هذه المجموعة من سلسلة الآداب الشرعية الثانية سيكون عن: (إكرام الضيف) وهو من الآداب العظيمة التي حفلت بها هذه الشريعة المباركة، وأكدت ما كان موجودا ًعند العرب من المعروف في هذا الأمر.
أما ضاف القوم وتضيفهم أي: نزل عليهم ضيفاً وأضافوه وضيفوه أي: أنزلوه، والضيف معروف وجمعه أضياف وضِيفان، والاسم هو الضيافة ويقال: أضفته إضافة إذا نجى إليك من خوف فأجرته، واستضافني فأضفته استجارني فأجرته، وتضيفني فضيفته إذا طلب القِرى، فإذا طلب الإنسان أن ينزل ضيفاً فيقال: تضيف، والذي يقبل هذا يقال: ضيفه، هكذا في المصباح المنير.
والضيافة من آداب الإسلام وشرائعه وأحكامه وهو من سنن المرسلين، وأول من ضيف الضيف إبراهيم عليه السلام، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الذاريات:24] فوصفهم بأنهم أكرموا.
وقصته عليه السلام لما قدم لهم عجلاً حنيذاً نزلاً وضيافةً معروفة.
وجاء في بعض الإسرائيليات قصة فيها عبرة: كان إبراهيم عليه السلام لا يأكل وحده، فإذا حضر طعامه أرسل يطلب من يأكل معه، فلقي يوماً رجلاً فلما جلس معه على الطعام قال له إبراهيم: سم الله، قال له الرجل: لا أدري ما الله!! قال له: اخرج عن طعامي، فلما خرج الرجل نزل إليه جبريل فقال له: يقول الله عز وجل: إنه يرزقه على كفره مدى عمره، وأنت بخلت عليه بلقمة، فخرج إبراهيم مسرعاً فرده فقال: ارجع، فقال: لا أرجع، تخرجني ثم تردني لغير معنى، فأخبره بالأمر فقال: هذا رب كريم آمنت، ثم دخل عند إبراهيم وسمى الله وأكل بعدما آمن، وستأتي قصة إبراهيم الخليل عليه السلام والعبر التي فيها والآداب المنطوية عليها بالنسبة للضيافة في قصته مع الملائكة.
وأما لوطٌ عليه السلام فإنه كان يكرم الضيوف أيضاً، كيف لا وهو قد تعلم من إبراهيم عليه السلام، ولما جاءه ضيوفه وجاء قومه يهرعون إليه لعمل الفاحشة فدافعوه الباب حتى كادوا يغلبونه وهو يخاطبهم {هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود:78] وأخبر عز وجل أنهم راودوه عن ضيفه فطمس أعينهم ولم يرجمهم فقط ولكن طمس أعينهم ثم رجمهم، وهذا دليل على أهمية وخطورة إيذاء الضيف.
وهذه عجوز السوء امرأته التي كانت تدل الفجار على ضيفه قال الله تعالى فيها: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} [الأعراف:83]، وقال: {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ} [هود:81] لماذا؟ لأنها كانت تدل قومها على الضيفان وهذه خيانة لزوجها؛ فعذب الله عجوز السوء القوادة -كما قال العلماء- بمثل ما عذب قوم السوء الذين كانوا يعملون الخبائث.
وقد جاء في معرض الذم ذكر القوم الذين نزل عليهم الخضر وموسى عليهما السلام فأبوا أن يضيفوهما.
وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فقد كان أعظم الناس في إكرام الضيف على الإطلاق، وقد وصفته خديجة بمثل ذلك من أيام الجاهلية، فلما دخل عليها فزعاً مما لقي في الغار بعد نزول سورة اقرأ وقال: (زملوني) فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لـ خديجة: (أي خديجة مالي لقد خشيت على نفسي؟ -فأخبرها الخبر- فقالت خديجة: كلا.
أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتُكسب المعدوم، وتقري الضيف) والحديث في صحيح البخاري.