وحتى لا أمضي في للسرد بعيدا، أعود لأقول:
إن معظم أحاديث هذا المجلد وغيره مما سيليه قد مضى على تخريجه وكتابته سنوات طويلة ربما جاوزت أربعين سنة! ومع أن الوالد الكريم كان دوماً في مراجعة مستمرة للأحاديث للتي صنفها بقسميها "الصحيح " و " الضعيف "، وتقليب دائم للأوراق والكتب في بحثه وتحقيقه وإضافة تعليقاته في كل ما يستجد عنده من توابع هذا العلم الشريف، إلا أنه وكما هو معلوم عند جميع طلاب للعلم، وكما نسمع من الوالد دائماً:
(العلم لا يقبل الجمود) ، ومثله ما سمعت منه مرات عدة في جلساتي معه، حين يصل إلى فك رموز مسألة، أو حل معضلة ... يقول وعيناه أدمعهما الأسى وللسرور معاً:
(الله أكبر.. كيف يقول البعض: إن علم الحديث قد نضج واحترق؟!!!) .
لذا، ما انفكَّ الوالد يزيد في هذا العلم ويستزيد، متتبعا في عالم المطبوعات في هذا المجال كل جديد، إذ إنه- وكما يذكر غالبا في مقدمات مؤلفاته الجديدة أن كثيرا من الأصول والمصنفات التي كانت من أهم مراجعه لسنوات طويلة ماضية، والتي كانت مخطوطة أو محالاً عليها من بعض المصنفين القدامى، ومن جاء بعدهم، والذين كثيرا ما كان يعتمد عليهم في حكمه على الأحاديث؛ أن كثيرا منها قد طبع الآن، وظهر إلى حيز الوجود ما كان عسير المنال، لذا دأب الوالد على إعادة للنظر دوما في كل ما حققه من قبل، سواء ما كان منه عَرَضاً أثناء البحث، أم قصدا وتوجهاً، فاتسعت مساحة التحقيق، وازدادت دقة، وكان من ذلك خير عميم، وفضل كبير، والحمد لله.
ويحسن هنا الإشارة إلى أن القارئ الكريم سيجد في هذا المجلد- كسابقيه- الكثير من الأبحاث والتحقيقات الحديثية والفقهية، وفي تضاعيف بعضها ردودا علمية، والكثير من الفوائد.
فمن الأبحاث الحديثية ما جاء تحت الأحاديث (2521 و 2535 و 2838 و 2544 و 2644 و 2645 و 2670 و 2688 و 2742 و 2750 و 2819 و 2827 و 2864 و 2910. . . .) ، وخاصة منها ما يعتبر مثالاً جيداً على أن قاعدة تقوية الحديث بكثرة طرقه ليست على إطلاقها، بل لها قيود يمكن للباحث تلمُّسها، فانظر