3- قوله: "لا يتسعُ المقامُ لذكرِها"!
فأَقولُ: وهذه خطيئةٌ أُخرى؛ لأنّه لا يُتصورُ أنّه يوجدُ سببٌ واحدٌ -بَلْهَ أَسباب- تثبتُ أنَّ البخاريَّ يقول فيما لم يسمعْه من فلان: "قال لي فلان"؛ لأنّه الكذبُ بعينِه.
ثانيًا - قلتَ في هشام بن عمّار: "لم يحتجَّ به البخاريُّ في صحيحه".
قلتُ: هذا تلبيسٌ على القرّاءِ، وقلبٌ للحقائقِ العلميّةِ، فالرَّجلُ كلُّ من ترجمَ له كالحافظِ المزيِّ وغيرِه رمزوا له بحرف (خ) إِشارةً إِلى أنّه محتجٌّ به عند البخاريِّ، ولم يذكروا أنّه لم يروِ عنه احتجاجًا، وإِنَّما متابعةً، بل صرّح بما رمزوا أَعرفُ الناسِ به، أَلا وهو الحافظُ ابن حجر العسقلانيّ، فقد ذكرَ في "مقدمةِ الفتح" (ص 448-449) ثلاثةَ أَحاديث لهشمام: الأوّل والثاني منها موصولان، والثالث حديث المعازفِ هذا المعلّق، ثمَّ قال عقبَ ذلك:
"وهذا جميعُ ما له في كتابِه ممّا تبيَّن لي أنّه احتجَّ به".
والحديثُ الثاني الموصولُ هو في مناقبِ أَبي بكر رضي اللهُ عنه، ورقمه (3661) ، فخالفتَ قولَ الحافظِ أنّه ممّا احتجَّ به؛ بادعائك أنّه توبعَ عند البخاري برقم (4640) ، ففيه تلبيسٌ شديدٌ، إِذ إِنَّ هناك فرقًا بيّنًا بين أَن يتابَعَ الثقة من غيرِه -وهذا يقعُ كثيرًا جدًّا- وبين أَن يسوقَ البخاريُّ حديثَ مَنْ فيه ضعفٌ، ثمَّ يتبعُه بإسنادٍ آخرَ فيه متابعٌ تقويةً له، ففي مثل هذا ونحوه يقال: روى له البخاريُّ متابعةً، أمّا والحديثُ في موضعين متباعدين في البخاريِّ عن شيخين له فتدّعي أَنَّ أَحدَهما لم يحتجَّ به البخاريُّ؛ لأنّه روى له متابعًا في الموضعِ الآخرِ، فهذا في غايةِ التلبيسِ مع ما في ذلك من المخالفةِ للحفاظِ كما تقدّمَ، نعوذُ باللهِ من الخذلان.
ومن الفائدةِ أَن أَستدرك عليك حديثًا آخرَ لهشامٍ معلقًا عند البخاريّ، في