وبينَ يَدَيَّ مثالٌ يَلْتقي -تقريبًا- مَعَ ما ذكرتُ من صنائعِ أهل الإنصاف وتعامُلِهم فيما يختلفُ فيه قولُ العالم -أحيانًا- في بعض مسائل العلمِ:
فها هو فضيلةُ الشيخ بكر أبو زيد -نَفَعَ اللهُ بهِ- يبحثُ في جُزْئِهِ اللطيف "مرويّات دُعاء خَتْم القُرآن" روايةَ خَبَرٍ في سندِه (صالحُ بنُ بشيرٍ المُرِّي) ، وحالُه معروفٌ عند أهلِ الحديث، فقال -حفظه الله- في نهاية بحثه:
" ... فهو متروكُ الحديث مع صلاحِهِ وزهادتِهِ، والمتروكُ لا يُعْتَبَرُ بحديثِهِ في باب الشواهد، ولا المتابعات، وهذا يتَّفق مع ما قرّره العلاّمةُ الألبانيُّ في "الضعيفة" (1/214 و309) ، خلافَ ما قرّرهُ في تعليقهِ على "مشكاة المصابيح" (1/36) (رقم: 98) ، فإنّه اعْتَبَرَ به، فَلْيُصَحَّحْ.
وهذا لا يُشَغَّبُ بهِ على أهل العلمِ، كالحالِ في تعدُّدِ الروايات عن الإمام الواحِدِ في الفقهيّاتِ، وفي رُتبةِ الحديثِ الواحد، وكذا في منزلة الراوي.
وللحافظَيْنِ الذهبي وابنِ حَجَر في هذا شيءٌ غيرُ قليلٍ يُعْلَمُ مِن المقابَلَةِ بين "الكاشف" و"المُغْني"؛ كلاهما للذهبي، وبين "التقريب" و "التلخيص" و"الفتح"؛ ثلاثتها لابن حَجَر، والأعذارُ في هذا مَبْسوطةٌ، وانظر "رفع الملام" لابن تيميَّة.
لكنّ هذا يُوافق لدى المبتدعةِ شهوةً يُعالجونَ بها كمَدَ الحسرةِ من ظهور أهل السنَّة، ولهم في الإيذاء وقائعُ مشهودةٌ على مَرِّ التاريخ، لكنّها تنتهي بخذلانهم، والله الموعدُ".