قد رفعت يدها إلى الله سبحانه وتعالى وهي تقول: اللهم ما أنا أمتك الغريبة، وسائلتك الفقيرة بحيث يرى مكاني، ولا يخفي عليك سوء حالي، وقد هتكت الحاجة حجابي، وكشفت الفاقة نقابي، وقد بذلت لهما وجهاً كريماً عن المسألة، ضعيفاً البذلة، طال ستره الحياء وصانه الغناء، وقد حمت عني أكف المخلوقين، وضاقت دوني أنفس المرزوقين، فمن حرمني لم ألمه، ومن وصلني وكلته إلى رحمتك يا أرحم الراحمين، فمررت بها وقلت يا جارين من أين أنت؟ فأنشأت تقول:
بعض النساء أبرزها ... الدهر إلى ما ترى وأحوجها
أخرجها م حجاب نعمتها ... وابتزها ملكها، وأزعجها
وطال ما كانت العيون إذا ... ما برزت تستشيف هودجها
ألعزمها مقبل بصفحته ... متهم قد أقام منهجها
إن كان قد ساءها وأحوجها ... فطال ما سرها وأبهجها
الحمد لله رب داهية ... قد ضمن الله أن يفرجها
قيلا لما ملك أردشير بابك البلاد، وحصل في قبضته السبعة أقاليم استدعى صاحبي إيوان شهر، وقال له: أخبرني بما كان لصاحبك من العجائب، فقال كان له ستة أشياء: أحدها بركة عظيمة كبيرة، كان يجلس عليها للشرب، وكان ندماؤه تحضره كل واحد منهم شرابه من داره، فيطرحه في تلك البركة، فتختلط الشربة على تغير ألوانها وطعومها، وأجناسها، فإذا غرفوا، خرج في قدح كل واحد منهم شرابه إلى جهته غير مختلط بشراب سواه.
الثاني: كان له طائر من النحاس على قبته في داره، فكان إذا دخل المدينة غريب صفر ذلك الطائر صفيراً يسمع كل من في المدينة، فيعلمون بدخول الغريب فيؤخذ، ويحضر بين يدي الملك، فيسخره لأي شيء ورد فعلم ذلك.
الثالث: كان له طبل إذا غاب رجل، وأبطأ، خبره ضرب ذلك الطبل، فإذا كان حياً جاء للطبل صوت.
والرابع: كان له مرآة إذا أراد الإنسان يعلم على أي حبال غائبة فيرى فيها خيراً أو شراً، نظر فيرى الغائب على الحالة التي هو عليها.
الخامس: كان له سروة يقف تحتها الفارس، والاثنين إلى الألف فتظلهم، فإذا زاد عن الألف واحد زال الظل عن الكل وصاروا في الشمس.
السادس كانا كبشين عظيمين من حديد على لوح من حديد، بينهما غدير ماء، فإذا اختصم اثنان، أتيا إلى الكبشين فيحمل أحدهما على الظالم، فينطحه فيرمي به إلى الماء فكتب ابن مسرة إلى أبي الفضائل هذه الأبيات: [الكامل]
أسفي عليك، وقد أرقت صبابة ... من ماء وجهك في سؤال بخيل
ووجدت طعم سؤاله من لومه ... مراً كطعم الحنظل المبلول
ولقيت دون طعامه وشرابه ... رداً كحد الصارم المسلول
أقبلت تنشده، وأطرق معرضاً ... إطراق دم بذحول
حتى ظننتك قائلاً وظننته ... من فرط نخوته ولى قتيل
وكفلت لي عنه بكل كريمة ... ثم انثنيت وأنت شر كفيل
وأتت عليك خلائق حورية ... تأتي إذا ما فاتها بجميل
هلا سألت عن الصناعة أهلها ... فيخبروك بصنعة التطفيل
القوم لا يعشون إلا منزلاً ... يغشى العيون دخانه من ميل
قيل لطفيلي: ما بال لونك أصفر؟ فقال: من الفتوة بين العضارتين أخاف أن يكون قد فني الطعام، فيذهب دمي فأصفر.
قال الأصمعي: رأيت شيخاً من الأعراب متعلقاً بأستار الكعبة، وهو يقول: [الطويل]
أما تستحي يا رزاق الخلق كلهم ... أناجيك عرياناً وأنت كريم
أترزق أولاد المجوس وقد عتوا ... وتترك شيخاً من سراة تميم
فألقيت القميص والأزر، والمناديل من كل جانب، فجعل يأخذها، ويقول شكراً لمن أخاطبه لا لكم.
قال نصر الجهني: كان لي جار طفيلي، وكان إذا دعيت إلى مدعاة، أو حضرت ملاكاً، كرب معي، وجلس حيث أجلس، فيأكل وينصرف، وكان نظيفاً عطراً، حسن اللباس، والمركب، وكنت لا أعرف إلا ظاهره، فاتفق لجعفر بن القاسم الهاشمي حق دعاه إليه أشراف أهل البصرة وكبارها.
وكان الأمير، فقلت: إن تبعني هذا الرجل لأخزينه، فلما حضرت تبعني ودخل لدخولي وارتفع إلى حيث أجلست، فلما حضر الطعام، قلت: حدثنا درست عن ابن زياد عن أبان بن طارق عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله "من دخل دار قوم بغير إذنهم، فكأنما دخل سارقاً، وخرج معيراً، وكمن دعي، فلم يجب، فقد عصى الله ورسوله".