أسائل عن حالي، يرعوي بمنظري حبيبي، هذا في هواك قليل سأصبر، حتى يرعوي، ويرق لي وينهج من طرق الوصال سبيل.
لما ورد الوزير المهلبي البصرة وجد على حائط البيت الذي فيه مكتوباً: [الطويل]
أحنُّ إلى بغدادَ شوقاً وإنَّما ... أحنُّ إلى ألفِ بهالي شائقِ
مقيمٌ بأرض سرتُ عنها وبدعة ... إقامةٌ معشوقٍ ورحلةُ عاشقِ
يقال إن عبد الشهوة أذل من عبد الرق، وجد على قصر معز الدولة الذي بناه بالشماسية من بغداد، واليوم يسمى آثار القصر مسناه الدار الغربة على شاطئ دجلة، مقابل جامع القطيعة، مكتوباً حضر فلان بن فلان الجروي في سماط الملك معز الدولة، والدنيا عليه مقبلة، وهيئة الملك عليه مشتملة، ثم عدت في سنة اثنين وستين وثلاثمائة فرأيت ما يعتبر به اللبيب، ويفتكر فيه الأريب وقلت هذه الأبيات: [الخفيف]
عينُ بكّى للقصرِ قصرُ معزِّ الدولة ... المؤنَّقُ العجيبُ البناءِ
قد خلاَ بعدَ عزَّ ةٍ وجمال ... وعفَّاً بعدْ رونقٍ وبهاءِ
لوْ تبقى على الحوادثِ شيءٌ ... ليقي ملكهُ من الأشياءِ
كلُّ أمرٍ وإنْ تطاولَ أو دامَ ... إلى نقلةٍ وحال انقضاءِ
عبرٌ أبيٍّ فإنَّهُ ليسَ يغني ... ذو الأيادي والطَّولِ والآلاءِ
قال الأصمعي قال لبعض العرب خرجي في بعض الليالي المظلمة، وإذا بجارية كأنها صنم فراودتها عن نفسها، فقلت يا هذا أمالك زاجر من عقل، غذ لم يكن واعظ من دين؟ فقلت، والله ما يرانا إلا الكواكب، فقالت، ويحك فأين أنت من مكوكبها؟ فأخجلني كلامها فقلت لها غني كنت أمزح، فقالت.
إيَّاك المزاحَ فإنَّهُ يجرئُ ... عليك الطفلَ، والرجلَ النَّذلاَ
ويذهبُ ماءَ الوجهِ بعدَ وضائهِ ... ويورثُ بعدَ العزِّ صاحبهُ ذلاَّ
كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله، امنعوا الناس من المزاح تسلم لكم الأعراض، وقد قال بعض الشعراء: [الكامل]
مازحْ أخالكَ إذا أردتَ مزاحاً ... وثوقٌ منهُ في المزاحِ جماحاً
ولربَّما مزحَ الصديقُ بمزحةٍ ... كانتْ لبابِ عداوةٍ مفتاحاً
وقد أحسن محمود الوراق: [الكامل]
تلقى الفتى يلقى أخاهُ وخذنه ... في لحنِ منطقة بما لا يغفرُ
ويقولُ كنتُ ممازحاً وملاعباً ... هيهاتَ ناركُ في الحشا تتسعَّرُ
ألهبتها وطفقتَ تضحكُ لاهياً ... عمَّا بهِ وفؤادهُ يتفطَّرُ
أو ما علمتَ ومثلُ جهلكَ غالبٌ ... إنَّ المزاحَ هوَ السَّبابُ الأصغرُ
قال المنكدر، قالت لي أمي، وكانت أدركت النبي صلى الله عليه وسلم: لا تمازح الصبيان فتهون عليهم، وقال سعيد بن العاص لا تمازح الشريف فيحقد عليك، وقال بعضهم، ولا الدنيء فيجترئ عليك، وقال بعض الحكماء إياكم، والمزاح فإنه يذهب بالبهاء، ويورث الندامة، ويذوي بالمروءة قال مسعر بن كدام لابنه: [الكامل]
ولقدْ نصحتكَ يا كدامُ نصيحةً ... فاسمعْ لقولِ أبٍ عليك شفيقُ
إنَّ المزاحةَ والمراءَ فدعهما ... خلقانِ لا أرضاهما لصديقِ
إنِّي بلوتهما فلم أحمدهما ... كمجاورٍ جاراً ولا لرفيقِ
اجتمع عبد الله بن طاهر مع ندمائه على رياض في أيام الربيع، فقال ليقل كل واحد منكم في هذا شيئاً، فقال أحدهم: [الطويل]
شموسٌ وأقمارٌ منَ الزَّهرِ طلع ... لدى اللَّهوِ في أكتافها متمتِّعُ
فقال الآخر: [الطويل]
نشاوى تثنِّيها الرياحُ فتثني ... فيلثم بعضٌ بعضها حينَ ترجعُ
فقال الثالث: [الطويل]
كأنَّ عليها من مجاجةِ ريقها ... لآليءُ إلاَّ أنَّها هيَ ألمعُ
يقال إن ثلاثة يفسدون المروءة المنية، والحرص، والغضب.
ولد نبينا صلى الله عليه وسلم بمكة يوم الاثنين لثمان خلون من شهر ربيع الأول، بعد قدوم الفيل بخمسين يوماً، وذلك لعشرين يوماً مضت من نيسان، سنة اثنين وثمانين وثمانمائة لدى القرنين، وبعثه الله سبحانه يوم الاثنين، لثلاث بقين من رجب، وقد مضى من عمره أربعون سنة، وكانت هجرته من مكة إلى المدينة يوم الاثنين، مستهل شهر ربيع الأول، فأقام في الطريق ثمانية أيام، ودخل المدينة يوم الاثنين، وذلك لعشرين يوماً مضت من أيلول.