للخواص والعوام وتنصب مائدة الْخَواص فِي حَضرته ومائدة الْعَوام فِي سرايات أُخْرَى وَقد سَمِعت كثيرا عَن هَذِه المآدب فرغبت فِي رؤيتها رَأْي الْعين فَذَهَبت عِنْد أحد كتاب السُّلْطَان وَكنت قد صاحبته فتوطدت الصداقة بَيْننَا وَقلت لَهُ رَأَيْت مجَالِس مُلُوك وسلاطين الْعَجم مثل السُّلْطَان مَحْمُود الغزنوي وَابْنه السُّلْطَان مَسْعُود وَقد كَانَا ملكَيْنِ عظيمين ذَوي نعْمَة وجلال وَأُرِيد أَن أرى مجَالِس أَمِير الْمُؤمنِينَ فَنقل رغبتي إِلَى الْمُوكل بالستار الْمُسَمّى صَاحب السّتْر وَقد تفضل هَذَا فسمح لي بالذهاب فِي آخر رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ وَأَرْبَعمِائَة (7 مارس 1049) وَكَانَ الْمجْلس قد أعد لليوم الثَّانِي وَهُوَ يَوْم الْعِيد حَيْثُ يحضر السُّلْطَان بعد الصَّلَاة فيجلس فِي صدر الْمَائِدَة
حِين دخلت من بَاب السراي رَأَيْت عمارات وصفف وإيوانات إِن أصفها يطلّ الْكتاب كَانَ هُنَاكَ اثْنَا عشر جنَاحا أبنيتها مربعة وَكلهَا مُتَّصِلَة بَعْضهَا بِبَعْض وَكلما دخلت جنَاحا مِنْهَا وجدته أحسن من سابقه ومساحة كل وَاحِد مِنْهَا مائَة ذِرَاع فِي مائَة عدا وَاحِدًا مِنْهَا كَانَت مساحته سِتِّينَ ذِرَاعا فِي سِتِّينَ كَانَ بِهَذَا الْأَخير تخت يشغل عرضه بِتَمَامِهِ وعلوه أَربع أَذْرع وَهُوَ مغطى بِالذَّهَب من جهاته الثَّلَاث وَعَلِيهِ صور المصطاد والميدان وَغَيرهمَا كَمَا أَن عَلَيْهِ كِتَابَة جميلَة وكل مَا فِي هَذَا الْحرم من الْفرش والطرح من الديباج الرُّومِي والبوقلمون نسجت على قدر كل مَوضِع تشغله وحول التخت درابزين من الذَّهَب المشبك يفوق حد الْوَصْف وَمن خلف التخت بِجَانِب الْحَائِط دَرَجَات من الْفضة وَبلغ هَذَا التخت من العظمة أَنِّي لَو قصرت هَذَا الْكتاب كُله على وَصفه مَا استوفيت الْكَلَام وَمَا كفى