وتجار مصر يصدقون فِي كل مَا يبيعونه وَإِذا كذب أحدهم على مُشْتَر فَإِنَّهُ يوضع على جمل وَيُعْطى جرسا بِيَدِهِ وَيَطوف بِهِ فِي الْمَدِينَة وَهُوَ يدق الجرس وينادي قَائِلا قد كذبت وَهَا أَنا أعاقب وكل من يَقُول الْكَذِب فَجَزَاؤُهُ الْعقَاب
وَيُعْطِي التُّجَّار فِي مصر من بقالين وعطارين وبائعي خردوات الأوعية اللَّازِمَة لما يبيعون من زجاج أَو خزف أَو ورق حَتَّى لَا يحْتَاج المُشْتَرِي أَن يحمل مَعَه وعَاء
ويستخرجون من بذور الفجل واللفت زيتا للمصابيح يسمونه الزَّيْت الْحَار والسمسم هُنَاكَ قَلِيل وزيته عَزِيز وزيت الزَّيْتُون رخيص والفستق أغْلى من اللوز وَلَا تزيد الْعشْرَة أمنان من اللوز المقشور على دِينَار وَاحِد
ويركب أهل السُّوق وَأَصْحَاب الدكاكين الْحمر المسرجة فِي ذهابهم وإيابهم من الْبيُوت الى السُّوق وَفِي كل حَيّ على رَأس الشوارع حمر كَثِيرَة عَلَيْهَا برادع مزينة يركبهَا من يُرِيد نَظِير أجر زهيد وَقيل إِنَّه يُوجد خَمْسُونَ ألف بَهِيمَة مسرجة تزين كل يَوْم وتكرى وَلَا يركب الْخَيل إِلَّا الْجند والعسكر فَلَا يركبهَا التُّجَّار أَو القرويون أَو أَصْحَاب الْحَرْف وَالْعُلَمَاء وَرَأَيْت كثيرا من الْحمر البلق كالخيل بل أجمل
وَكَانَ أهل مَدِينَة مصر فِي غنى عَظِيم حِين كنت هُنَاكَ
وَفِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة (1047) ولد للسُّلْطَان ولد فَأمر النَّاس بِإِقَامَة الأفراح فزينت الْمَدِينَة والأسواق زِينَة لَو وصفتها لما اعْتقد بعض النَّاس صِحَة مَا أَقُول وَلما صدقوني فقد كَانَت دكاكين البزازين والصرافين وَغَيرهم مَمْلُوءَة بِالذَّهَب والجواهر والنقد والأمتعة الْمُخْتَلفَة والملابس المذهبة والمقصبة بِحَيْثُ لَا يُوجد فِيهَا متسع لمن يُرِيد أَن يجلس
وَكَانَ النَّاس جَمِيعًا يثقون بالسلطان فَلَا يَخْشونَ الجواسيس وَلَا الغمازين معتمدين على أَن السُّلْطَان لَا يظلم أحد وَلَا يطْمع فِي مَال أحد وَرَأَيْت أَمْوَالًا يملكهَا بعض المصرين لَو ذكرتها أَو وصفتها لما صدقني النَّاس فِي فَارس فَإِنِّي