وفي من يشاء با يعذّب حيثما ... أتى مدغم فادر الأصول لتأصلا

الباء من حروف شفا ذكرها في قوله بها أي أدغم السوسي باء يعذب في ميم من يشاء أينما جاء وهو خمسة مواضع سوى الذي بالبقرة موضعان بالمائدة وموضع بآل عمران والعنكبوت والفتح، أما الذي بالبقرة فإنه ساكن الباء في قراءة أبي عمرو فهو واجب الإدغام عنده من جهة الإدغام الصغير لا الإدغام الكبير ولهذا وافقه عليه جماعة كما سنذكره وفهم من تخصيص الباء بيعذب وميم من يشاء إظهار ما عداه نحو أن يضرب مثلا سَنَكْتُبُ ما قالُوا [آل عمران: 181]، [مريم: 79]، ولما انقضى كلامه من حروف شفا الستة عشر التي تدغم في غيرها ختم بقوله: فادر الأصول أي اعلم القواعد المذكورة في هذا النظم لتأصلا أي لتكون أصلا أي ذا أصل يرجع إليه في معرفة هذا الفن ثم ذكر ثلاث قواعد تتعلق بجميع باب الإدغام الكبير مثليا كان أو متقاربا وكل قاعدة في بيت فقال في القاعدة الأولى:

ولا يمنع الإدغام إذ هو عارض ... إمالة كالأبرار والنّار أثقلا

يريد إذا كانت ألف مما له في البابين لأجل كسرة بعدها على حرف وذلك الحرف مما يدغم في غيره فإذا أدغم تبقى الإمالة بحالها لكون الإدغام عارضا فكأن الكسرة موجودة فكما أن الوقف لا يمنع فكذلك الإدغام مثال ذلك إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ [المطففين: 18]، فإن الألف في الأبرار ممالة لأجل كسرة الراء والراء تدغم في اللام فإذا أدغمت فيها زال موجب الإمالة، وكذلك قوله تعالى: وَقِنا عَذابَ النَّارِ [آل عمران:

16]، ربنا وأتى بمثالين الأول منهما لبيان إدغام المتقاربين والثاني لبيان إدغام المثلين، وقوله: أثقلا حال أي في حال الإدغام الصريح احترازا من الروم فإنه لا يمنع قولا واحدا لأن الكسرة موجودة. ثم ذكر القاعدة الثانية فقال:

وأشمم ورم في غير باء وميمها ... مع الباء أو ميم وكن متأمّلا

يقول رحمه الله إذا أدغمت حرفا في حرف مماثل له أو مقارب فأشمم حركة الحرف الأول المدغم إن كان ضمة ورمها إن كانت ضمة أو كسرة إلا في الباء والميم إذا لقيت كل واحدة منهما الباء والميم وذلك في أربعة صور وهي أن تلتقي الباء بمثلها نحو قوله تعالى:

نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا [يوسف: 56]، أو مع الميم نحو قوله تعالى: يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ [العنكبوت: 21]، وتلتقي الميم مع مثلها نحو أيعلم ما أو مع الباء نحو أعلم بما فإن الروم والإشمام يتعذران في ذلك لانطباق الشفتين بالباء والميم والضمير في ميمها عائد على الباء وكن متأملا أي متدبرا كلام العلماء في كتبهم ثم ذكر القاعدة الثالثة فقال:

وإدغام حرف قبله صحّ ساكن ... عسير وبالإخفاء طبّق مفصلا

أي إذا كان قبل الحرف الذي يدغم في غيره حرف صحيح ساكن فإن إدغامه المحض عسير أي يعسر النطق به وتعسر الدلالة على توجيهه لما يؤدي إليه من الجمع بين الساكنين على غير حدهما لأن المدغم لا بد من تسكينه فحقيقة الإدغام فيه راجعة إلى الإخفاء وتسميته بالإدغام مجاز واحترز بقوله: صح ساكن عما قبله ساكن ليس بحرف صحيح بل هو حرف مد فإن الإدغام يصح معه نحو قوله فيه هدى قال لهم يقول ربنا وكذا إذا انفتح ما قبل الياء والواو ونحو قوله: كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ [الفجر: 6]، [الفيل: 1]، قوم موسى فإن في ذلك من المد ما يفصل بين الساكنين وأما ما قبله ساكن صحيح فلا يتأتى إدغامه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015