وأكثر أعلام القرآن يراهما ... لسائرهم أولى العلائق مطولا

أخبر أن أكثر الأئمة المشاهير من أهل الأداء بالقراءة يراهما يعني الروم والإشمام لسائرهم أي لسائر القراء السبعة لمن رويا عنه ولمن لم يرويا عنه أولى العلائق أي أولى ما تعلق به حبلا لما فيهما من بيان الحركة، والمطول: الحبل بالحاء، ويكنى به عن السبب

الموصل إلى المطلوب فكأنه قال أولى الأسباب سببا:

ورومك إسماع المحرّك واقفا ... بصوت خفيّ كلّ دان تنوّلا

أخذ يبين حقيقة الروم فقال: هو أن يسمع الحرف المحرك، احترازا من الساكن في الوصل نحو قوله تعالى: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص: 3]، فلا روم في هذا وشبهه وإنما يكون الروم في المحرك في حال الوصل فرومه في الوقف بأن تسمع كل دان أي قريب منك ذلك المحرك بصوت خفي أي ضعيف يعني أن تضعف الصوت بالحركة حتى يذهب بذلك معظم صوتها فتسمع لها صوتا خفيا يدركه الأعمى بحاسة سمعه، وقوله تنوّلا: أي تنوله منك وأخذه عنك. ثم شرع يبين الإشمام فقال:

والإشمام: إطباق الشّفاه بعيد ما ... يسكّن لا صوت هناك فيصحلا

أخبر أن الإشمام هو أن تطبق شفتيك بعد تسكين الحرف فيدرك ذلك بالعين ولا يسمع وهو معنى قوله لا صوت هناك، وحقيقته أن تجعل شفتيك على صورتهما إذا نطقت بالضمة والشفاه بالهاء جمع شفة، فيصحلا، يقال صحل صوته بكسر الحاء يصحل بفتحها: إذا صار أبحّ، يعني إذا كانت فيه بحوحة لا يرتفع الصوت معها فكأنه شبه إضعاف الصوت في الروم بذلك فالروم هو الإتيان ببعض حركة الحرف وذلك البعض الذي يأتي به هو صوت خفي يدركه الأعمى، والإشمام لا يدركه الأعمى لأنه لرؤية العين لا غير، وإنما هو إيماء بالعضو إلى الحركة. ثم ذكر مواضع استعمال الروم والإشمام فقال:

وفعلهما في الضّمّ والرّفع وارد ... ورومك عند الكسر والجرّ وصّلا

ولم يره في الفتح والنّصب قارئ ... وعند إمام النّحو في الكلّ أعملا

أخبر أن فعل الروم والإشمام وارد في الضم والرفع وأن الروم وصل ونقل في الكسر والجر وقوله: ولم يره أي ولم ير الروم في الفتح والنصب أحد من القراء وقوله وعند إمام النحو إلى آخره يعني أن إمام النحو، وهو سيبويه استعمل الروم في الحركات الثلاث.

توضيح: اعلم أن الحرف المتحرك إذا وقف عليه لا تخلو حركته من أن تكون ضما أو رفعا أو فتحا أو نصبا أو كسرا أو جرا، فإن كانت ضما أو رفعا جاز الوقف عليه بالسكون والروم والإشمام وإن كانت كسرا أو خفضا جاز الوقف عليه بالسكون والروم ولم يجز الإشمام وإن كانت فتحا أو نصبا وليس معهما تنوين كان الوقف بالسكون لا غير ولم يجز الروم ولا الإشمام وذهب سيبويه وغيره من النحويين إلى جواز الروم في المفتوح والمنصوب ولم يقرأ به أحد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015