في هذا البيت أنه روى عن الكسائي أيضا، وقد تقدم ذكره مع ذكر السوسي، فلهذا قال: وفي الذكر قد خلا.
أبو عمرهم واليحصبيّ ابن عامر ... صريح وباقيهم أحاط به الولا
أضاف أبا عمرو إلى ضمير القراء كما سبق في ورشهم. قوله: واليحصبي في صاده الحركات الثلاث مطلقا، والرواية الفتح، وقد تقدم أن أبا عمرو مازني، وذكر في هذا البيت أن ابن عامر يحصبي نسبة إلى يحصب حي من اليمن، ويحصب بطن من بطون حمير.
والصريح الخالص النسب، يعني أن أبا عمرو وابن عامر من صميم العرب، وباقيهم أي:
وباقي السبعة. أحاط به الولاء، أي أحدق به، وغلب على ذرية العجم لفظ الموالي، يقال:
فلان من العرب وفلان من الموالي، قال الجعبري في كنز المعاني: أبو عمرو وابن عامر نسبهما خالص من الرق وولادة العجم، وباقي السبعة شيب نسبهم بولاء الرق إن ثبت أنه مسهم أو أحد آبائهم، وإلا فولادة العجم وولاء الحلف لا ينافي الصراحة. وهذا النقل هو الأشهر، وإلا فقد اختلف فيهما وفي ابن كثير وحمزة انتهى كلامه.
لهم طرق يهدي بها كلّ طارق ... ولا طارق يخشى بها متمحّلا
لهم ضمير الرواة، والطرق جمع طريق وهو هنا لمن أخذ عن الراوي لأن أرباب هذا الفن اصطلحوا على أن يسموا القراءة للإمام والرواية للآخذ عنه مطلقا، والطريق للآخذ عن الراوي كذلك، فيقال مثلا: قراءة نافع رواية قالون طريق أبي نشيط ليعلم منشأ الخلاف عن الراوي. قوله: يهدي بفتح الياء وكسر الدال ويروى بضم الياء وفتح الدال، أي لهؤلاء القراء مذاهب منسوبة إليهم من الإظهار والإدغام والتحقيق والتسهيل والفتح والإمالة، وغير ذلك على ما يأتي بيانه. ومعنى يهدي أي يهتدي بها في نفسه أو يرشد المستهدي بتلك الطرق كل طارق، أي كل عالم يعرفها يهدي من طلب معرفتها. والطارق النجم المضيء، كني بالنجم عن العالم. ثم قال: ولا طارق أي: ولا مدلس، يخشى بها أي فيها متمحلا أي ماكرا.
وهنّ اللّواتي للمواتي نصبتها ... مناصب فانصب في نصابك مفضلا
وهن أي القراءات والروايات والطرق والمواتي الموافق وأصله الهمز فخفف. ونصبتها أي جعلتها مناصب أي أعلاما للعز والشرف لما لم يتضمن هذا القصيد جميع الأحرف السبعة المذكورة في الحديث بل سبع قراءات منها. قال: هذه المذاهب إنما نظمتها لمن يوافقني على قراءتها ويستعمل اصطلاحي فيما نظمته، وأما من لا يوافقني عليها بل يريد غير هذه الأئمة كيعقوب الحضرمي، والحسن البصري وعاصم الجحدري والأعمش وغيرهم ممن نقل الأحرف السبعة فليس هذا النظم موضوعا له وليطلب ذلك من غيره من كتب الخلاف.
قال الجعبري: وخفي معنى هذا البيت على أكثر القراء وبلغ جهله إلى أنه كان إذا سمع قراءة ليست في هذا النظم قال شاذة، وربما ساوت أو رجحت، والحق أن من سمع قراءة وراء علمه حققها من جهابذة النقاد وكتب الثقات.
قلت: هذا القائل إنما قال ذلك لقلة اطلاعه على حقيقة هذا الفن واقتصاره على القصيد فيزعم أن ما سواه متروك وقد ألفت مختصرا