لم يجز أن يدخلوا بعضها على بعض، كما لا يجمعون بين حرفي استفهام ولا حرفي نفي؛ فلذلك جاز حمل بعض حروف المضارعة على بعض، ولم يجز حمل بعض حروف العطف على بعض، فاعرف ذلك إن شاء الله.

واعلم أن هذه اللام الجازمة أيضًا حرف مفرد جاء لمعنى كواو العطف، وفائه، وهمزة الاستفهام، ولام الابتداء، وقد كان ينبغي أن تفتح كما فتحن؛ إلا أن العلة في كسرها أنها في الأفعال نظيرة حرف الجر في الأسماء، ألا ترى أن كل واحدة منهما مختصة من العمل بما يخص القبيل الذي هي فيه؛ فلا يتعداه إلى ما سواه، فمن حيث وجب كسر لام الجر في نحو: لزيد مال، ولجعفر، للفرق بينها وبين لام الابتداء، كذلك أيضًا وجب كسر هذه اللام، لأنها في الأفعال نظيرة تلك الأسماء.

ولو قال قائل: إنما كسرت لام الأمر للفرق بينها وبين لام الابتداء التي تدخل على الأفعال المضارعة لأسماء الفاعلين؛ لكان قولًا قويًا، ألا ترى أنك تقول: "إن زيدًا ليضرب"، أي: لضارب، فكرهوا أن يقولوا في الأمر: "إن زيدًا ليضرب"، فيلتبس بقولك: "إن زيدًا لضارب".

فإن قيل: فهل يجوز أن تقول: إن زيدًا ليضرب؛ فتجعل خبر "إن" أمرًا حتى تخاف التباسه بالخبر في قولك: "إن زيدًا ليضرب"؟

فالجواب: أن ذلك جائز، وقد جاء به الشاعر، فجعل خبر "إن"، وخبر المبتدأ، وخبر كان، ونحو ذلك أمرًا لا يحتمل الصدق والكذب.

قال الجميح1:

ولو أصابت لقالت وهي صادقة ... إن الرياضة لا تنصبك للشيب2

والنهي كالأمر في هذا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015