ماء غور1، ورجل عدل، ثم صار التقدير: مررت بالرجل الفضل والعلاء، ثم نقلته إلى العلم وفيه اللام، فأقررتها فيه على أنه الشيء بعينه، كما قال الخليل2 في الحارث والعباس.
وقد يجوز في "العزى" أن تكون تأنيث الأعز بمنزلة الفضلى من الأفضل، والكبرى من الأكبر، والصغرى من الأصغر؛ فإذا كان ذلك كذلك فاللام في "العزى" ليست بزائدة، بل هي فيها على حد اللام في الحارث والعباس والخليل. والوجه هو القول الأول وأن تكون زائدة؛ لأنا لم نسمع في الصفات العزى كما سمعنا فيها الصغرى والكبرى.
فإن قلت: فإنا لم نسمعهم أيضًا قالوا: "رجل علاء"، ولا: "مررت بالرجل العلاء"، وقد أجزت أنت أن تكون بمنزلة "رجل عدل" و"فطر" فإذا أجزت اعتقاد الصفة بالمصدر الذي ليس بصفة على الحقيقة، وإنما هو واقع موقع الصفة الصريحة؛ فأنت باعتقاد "العزى" أن تكون صفة محضة جارية على الموصوف؛ لأنها من أمثلة الصفات نحو الفضلى، والكوسى، والحسنى أجدر.
فالجواب أن اعتقاد الوصف في المصادر -وإن لم تجر أوصافًا مستعملة في اللفظ- أجدر من اعتقاد مثال الصفة وصفًا إذا لم يجر به استعمال؛ وذلك أن المصدر ليس في الأصل مما سبيله أن يوصف به؛ وإنما جرى في بعض المواضع وصفًا على أحد أمرين: إما على اعتقاد حذف المضاف، وإما على جعل الموصوف الذي هو جوهر عرضًا للمبالغة، ولولا اعتقاد أحد هذين المعنيين؛ لما جاز وصف الجوهر بالمصدر الذي هو عرض؛ لأن حكم الوصف أن يكون وفق الموصوف، وإذا كان الأمر كذلك؛ فغير منكر أن يعتقد في ترك إجرائهما المصدر وصفًا أنه إنما فعل به ذلك لأنه ليس مما سبيله في الحقيقة أن يوصف به، ولذلك قل الوصف به إل اللفظ، واستنكر؛ فغير خطأ أن يعتقد وصفًا في المعنى وإن لم يخرج الوصف به إلى اللفظ, والصفات الصريحة ليست كذلك لأنها مما حكمه وسبيله أن يستعمل في اللفظ صفة كما يستعمل في المعنى؛ فترك إجرائهم الصفة الصريحة صفة في اللفظ على أنهم قد هجروها صفة في المعنى،