فأما الحرف فالقول فيه وفيما كان من لفظه: أن "ح ر ف" أينما وقعت في الكلام يراد به حد الشيء وحدته، من ذلك حرف الشيء إنما هو حده وناحيته، وطعام حريف: يراد حدته، ورجل محارف، أي محدود عن الكسب والخير، ويقال أيضا فيه: مجازف1 بالجيم، ومثله مجرف، ومجلف2، كأن الخير قد جرف عنه وجلف3، كما يجلف القلم ونحوه، وقولهم: "انحرف فلان عني": من هذا أيضا، كأنه جعل بيني وبينه حدا بالبعد والانعدال4.
وقال أبو عبيدة في قوله عز اسمه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} [الحج: 11] 5 أي لا يدوم، تقول: إنما أنت على حرف، أي لا أثق بك، وهذا راجع إلى ما قدمناه، لأن تأويله أنه قلق في دينه، على غير ثبات ولا طمأنينة ولا استحكام بصيرة6، فكأنه معتمد علي حرف دينه، غير واسط فيه، كالذي هو على حرف الجبل ونحوه.
وقال أحمد بن يحيي: أي على شك، وهذا هو المعنى الأول، ومن هنا سميت حروف المعجم حروفا، وذلك أن الحرف حد منقطع الصوت وغايته وطرفه، كحرف الجبل ونحوه.