سر الفصاحه (صفحة 87)

الصورة المصنوعة أو العرض المقصود ظاهر لا يخفى على أحد فمتى أخرجت الألفاظ من أن تكون موضوعاً لصناعة التأليف أخرجتها من جملة الأقسام المعتبرة في كل صناعة ونحن نجد تعلقها ظاهراً. فإن قال لنا ما تقول انتم في المعاني مع أن علقتها أيضاً وكيدة قلنا المعاني وتأليف الألفاظ هي صناعة هذا الصانع التي أظهرها في الموضوع وهي التي تكمل الأقسام المذكورة فأما الألفاظ فليست من عمله وإنما له منها تأليف بعضها مع بعض حسب وقد وقفت في بعض المواضع على كلام في هذه الصناعة لا أعلم الآن صاحبه قدامة أو غيره - لأني قد أنسيت الكتاب الذي وجدته فيه - يدل على أن الألفاظ موضوع كما قلنا إلا أنه يدعي أن الناظم متى ألف لفظة رديئة فليس ذلك بعيب عليه كما أن النجار إذا صنع كرسياً من خشب رديء فليس بعيب في صناعته وقد أحكمها كون الموضع الذي هو الخشب رديئاً. وهذا الذي ذكره هذا القائل فاسد وذلك أن النجار يعاب إذا كان قليل البصيرة بموضوع صناعته ولو تمكن من عمل ذلك الكرسي الذي مثل به من خشب مرضى فعدل عنه إلى خشب رديء جهلا منه بالمختار من هذا الجنس كان معيباً عند أهل صناعته. وإنما يتوجه له العذر إذا سلم إليه خشب رديء لتظهر صناعته فيه فإنه عند ذلك لا يعاب لأجل الخشب فأما ناظم الكلام فقادر على اختيار موضوعه غير محظور عليه تأليف ما يؤثره منه فمتى عدل عن ذلك جهلا أو تسمحاً توجه الإنكار واللوم عليه وكان أهلاً له وجديراً به: على أن كلامنا في الصورة نفسها ولا شبهة في قبح صورة الكرسي المصنوع من رديء الخشب وإن كان النجار قد أحكم عمله.

ومع هذا البيان كله فالفصاحة عبارة عن حسن التأليف في الموضوع المختار فإذا كنت قد ذكرت الموضع والوجه في اختياره وعلى أي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015