قيل: عن هذا أربعة أجوبة:

الجواب الأول: أن هذا الخوف على حسب القرب من الله والمنزلة عنده، وكلما كان العبد أقرب إلى الله كان خوفه منه أشد؛ لأنه يطالب بما لا يطالب به غيره، ويجب عليه من رعاية تلك المنزلة وحقوقها ما لا يجب على غيره. ونظير هذا في المشاهد: أنَّ الماثل بين يدي أحد الملوك المشاهد له أشد خوفًا منه من البعيد عنه؛ بحسب قربه منه ومنزلته عنده ومعرفته به وبحقوقه، وأنه يطالب من حقوق الخدمة وأدائها بما لا يطالب به غيره؛ فهو أحقّ بالخوف من البعيد.

ومَنْ تَصَوَّرَ هذا حقّ تصوره فهم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي أَعْلمُكم بالله وَأَشَدُّكُم لَه خَشية" (?).

وفهم قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره، من حديث زيد بن ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "إنَّ اللهَ تعالى لو عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِه وأَهْلَ أَرْضهِ، لَعَذَّبَهُمْ وهو غَيْرُ ظالمٍ لهم، ولَوْ رَحِمَهُمْ كانت رحمته لهم خيرًا من أعمالهم" (?).

وليس المراد به لو عذَّبهم تصرف في ملكه -والمتصرف في ملكه غير ظالم- كما يظنّه كثير من الناس؛ فإن هذا يتضَّمن مدحًا والحديث إنَّما سِيق للمدح وبيان عظم حق الله على عباده، وأنه لو عذَّبهم لعذَّبهم بحقه عليهم ولم يكن بغير استحقاق، فإن حقَّه سبحانه عليهم أضعاف ما أتوا؛ ولهذا قال بعده: "ولو رحمهم كانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم"،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015