مضمحلة. إن الجراد العام قد جرد وأفسد. نوائب أناخت على صبابة معيشته لم تبق ولم تذر، وتركت نباتها كهشيم المحتظر، وذلك أن برداً أتيح لها كبيض النعام كبراً فأقعد قائمها، وغيب ناجمها، وتركها عافية تندب كما نذب الشعراء الأطلال، ثم تنشد أن الوقوف على المحيل محال. هو في تلك الضياع بين نصح يؤثره، وجميل يؤثره. قد حفر، وحرث وبذر، وقوم المائد، وأصلح الفاسد، وعمر الغامر، وتألف الناقر. كان من أثره الحميد توصله بيسير النفقة إلى عمارة القني حتى تفجرت عيونها، وغزرت مياهها. هاذ مع غيض الماء في عامة الأطراف، ويكثر الزروع على الجفاف. قد صار دخلها على الضعف، بعد عودة إلى النصف. قد أكد أساسها، وثمر غراسها، وأضحك رياضها، وملأ حياضها. جاهد أمورها حتى تيسر أكثرها، وتركها لا يتخللها خلل، ولا يميل بها ميل. قدم فيها ما هو أصلح وأنجح، وأوفق وأرفق. تلافي أمرها أعظم التلافي، وتفرد تفرد الكافي الوافي.
ذكر الفرس والبغلة والحمار
فرس يتعب سائسه، ويحمل فارسه. فرس رائع الخلق، تنطق عنه شواهد العتق. سفينة برية، وريح مجسمة. كأنه منتقب بالنجم، منتعل بالحجارة الصم. يباري طلق البزاة، ويفني أنفاس الفهود، كأنه طود موثق، أو سيل متدفق، كالكوكب المنقض، والبارق المنفض. كالجاحم المشبوب، والهاطل المصبوب. ولا يعين عليه سوط، كأنما أنعل بالرياح، وبرقع بالصباح. كأنه شيطان، في أشطان، وكأنما لطم الصباح جبينه. كالبحر إذا ماج، والسيل إذا هاج. بغلة تجمع بين حسن الشية، وطيب المشية. أما ذلك الحمار فالريح أسير يده، وشعل النار في أعضاء جسمه، وحسد الأفراس مقصور على حسنه، وكمد البغال لما فاتها من فضله.