ابتهاج حل حبوة وقاره، ولاح أثره في أثناء وجهه وأسراره. اهتز اهتزاز الرامي قرطس سهمه، والضارب نفذ حده، والشجاع ظهرت فروسيته، والحازر صدقت فراسته. سرت المسرة في أعضائي، وطبقت الغبطة أحشائي، وتهللت وجوه من الأنس كانت قبل عابسة، وأرقت غصون من الفرح وعهدي بها يابسة. أقبلت بقلب مرتاح، وصدر ملآن من انشارح. جاء بأقوى يد وأبسطها، وأسر نفس وأنشطها. قد شق الضحك شدقه، وأمال الطرب عنقه. مسرة تركتني كالغصن غازلته الصبا فترنح، ومرت به الشمال فترجح. قرت عيناه، وانبسطت يمناه، وصافح مناه. المسرة آتية، والبهجة مواتية، والوحشة مولية. لم أضبط نفسي ارتياحاً وهزة. كادا يورثاني بغية وعزة. أنا في ثوب المسرة رافل ونجم الوحشة عني آفل. دواعي المسرة مكتنفة، وعوادي الوحشة منكشمة.
في نفسه بلابل تدور، ومراجل تفور. يده دعامة لذقنه، وجسمه خشبة لحزنه. قد صافح أكف الحزن، واستسلم لأيدي الزمن، ما يستقر به مضجع، ولا يجف له مدمع. باله كاسف، وقلبه راجف. هم قد نكأ القلب وأبكى العين. لا أقول عمه، ولكن أعماه وأصمه. يرى ضياء الدنيا ظلاماً، ويتصور نور الشمس قتاما. منطوي الجوانح على أذى، مغضوض الجفون على قذى، قد طبق الحزن بسيطة صدره، وأنفق الغم ذخيرة صبره. غمه جذع فتي، وقلقه غض طري. نهاره للفكر، وليله للسهر. طرق الأمس دونه مبهمة، وآفاق السرور عليه مظلمة.
ذكر الأمن
فلام لا يلتفت وراءه مخافة، ولا يخشى أمامه آفة. قد أبدله الله بحر