بمثله من إخوان الصفاء يصفو، وبظعنه عن الدنيا يكدر ويجفو. لو أمكن افتداؤه بأنفس الذخائر، وأعز الأملاك والممالك لكنا أحقاء بإرخاص كل علق نفيس، وبذل كل ملك كريم. لو وقي منه عزيز قوم لعزته، أو كبير أهل بيت بولده وأسرته، أو قوي سلطان باستطالته وقدرته، أو زعيم دولة بحشده وعدده لكان الماضي أولى من فدي، وأحق من وقي، وكنا أقدر الناس على دفع ما حدث وطرق، وذب ما كرث وأرهق، لكنه الأمر المسوى فيه بين من عز جانبه وذل، وكثر ماله وقل، حتى تأسى المفضول بالفاضل، والناقص بالكامل.
ما يقع من كتب التعازي من وصف الدهر
هو الدهر فلا تعجب من طوارقه، ولا تنكر هجوم بوائقه، عطاؤه في ضمان الارتجاع، وحباؤه في قران الانتزاع. الدهر ما عرفت، وعلى ما خبرت، فلا نكر إذا فجع بالذخائر، ولا غرو إذا استأثر بالأخاير. هو الدهر وعلاجه الصبر لا تهنأ فيه المواهب، حتى تتخللها المصائب، ولا تصفو فيه المشارب، حتى تكدرها الشوائب. من عرف الزمان، لم يستشعر منه الأمان، وتصور تصرف الحوادث بين الموروث والوارث. الدهر مشحون بطوارق الغير مشوب صفو أيامه بالكدر، مجروح صابه بالعسل، موصولة حبال الأمل فيه بأسباب الأجل، يفطم أمام تكامل الرضاع، ويفرق قبل الامتاع بحسن الاجتماع. هي الأيام ترتع العارية، وتتلقى بالمنية الأمنية.
ما يقع فيها من ذكر الدنيا وذمها
قد جعل الله الدنيا دار قلعة، ومحل نقلة. فمن راحل ليومه، ومن مدعو لغده، وكل مستوف لأجله، وجار لأمله. ما الدنيا إلا دار النقلة، وما المقام فيها إلا للرحلة. إن المرء حقيق إذا طرقه ما يتحيف صبره، ويتطرف صدره أن يعود إلى علمه بالدنيا، كيف نصبت على النقلة، وجنبت طول المهلة،