. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَدَمُ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ قَوَدًا وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ، وَأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ ذُو عَهْدٍ فَذُو الْعَهْدِ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ فَيَدْخُلُ عَلَيْنَا بِأَمَانٍ، فَإِنَّ قَتْلَهُ مُحَرَّمٌ عَلَى الْمُسْلِمِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَأْمَنِهِ فَلَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ، فَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ إذَا قَتَلَهُ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ، وَلَا يُقْتَلُ بِالْمُسْتَأْمَنِ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ (وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ) ، فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مُؤْمِنٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدٍ فِي الثَّانِي كَمَا فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ فَيُقَدَّرُ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْكَافِرِ فِي الْمَعْطُوفِ بِلَفْظِ الْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ وَيُقْتَلُ بِالْمُسْلِمِ، وَإِذَا كَانَ التَّقْيِيدُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْمَعْطُوفِ، وَهُوَ مُطَابِقٌ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ، وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ وَمَفْهُومُ حَرْبِيٍّ أَنَّهُ قُتِلَ بِالذِّمِّيِّ بِدَلِيلِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَنَفِيَّةُ لَا تَعْمَلُ بِالْمَفْهُومِ فَهُمْ يَقُولُونَ إنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِالْحَرْبِيِّ صَرِيحًا. وَأَمَّا قَتْلُهُ بِالذِّمِّيِّ فَبِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَلِمَا.
أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ. مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَ مُسْلِمًا بِمُعَاهَدٍ، وَقَالَ أَنَا أَكْرَمُ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ» ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ ابْنُ الْبَيْلَمَانِيُّ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ إذَا وَصَلَ الْحَدِيثُ فَكَيْفَ بِمَا يُرْسِلُهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِمُسْنَدٍ، وَلَا يَجْعَلُهُ مِثْلُهُ إمَّا مَا تُسْفَكُ بِهِ دِمَاءُ الْمُسْلِمِينَ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ كَانَ فِي قِصَّةِ الْمُسْتَأْمِنِ الَّذِي قَتَلَهُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ فَعَلَى هَذَا لَوْ ثَبَتَ لَكَانَ مَنْسُوخًا؛ لِأَنَّ حَدِيثَ «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» خَطَبَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ كَمَا فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَقِصَّةُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ مُتَقَدِّمَةٌ قَبْلَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ.
هَذَا. وَأَمَّا مَا ذَكَرَتْهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ التَّقْدِيرِ، فَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّقْدِيرُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ (وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ) كَلَامٌ تَامٌّ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إضْمَارٍ؛ لِأَنَّ الْإِضْمَارَ خِلَافُ الْأَصْلِ، فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَيَكُونُ نَهْيًا عَنْ قَتْلِ الْمُعَاهَدِ.
وَقَوْلُهُمْ إنَّ قَتْلَ الْمُعَاهَدِ مَعْلُومٌ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلْعَهْدِ فَائِدَةٌ، فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِخْبَارِ بِهِ.
جَوَابُهُ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى ذَلِكَ إذْ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِطَرِيقِ الشَّارِعِ وَإِلَّا، فَإِنَّ ظَاهِرَ الْعُمُومَاتِ يَقْضِي بِجَوَازِ قَتْلِهِ، وَلَوْ سُلِّمَ تَقْدِيرُ الْكَافِرِ، فَلَا يُسَلَّمُ اسْتِلْزَامُ تَخْصِيصِ الْأَوَّلِ بِالْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَطْفِ مُطْلَقُ الِاشْتِرَاكِ لَا الِاشْتِرَاكُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَمَعْنَى قَوْلِهِ «وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» أَنَّهُ إذَا أَمَّنَ الْمُسْلِمُ حَرْبِيًّا كَانَ أَمَانًا مِنْ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُ امْرَأَةً كَمَا فِي قِصَّةِ أُمِّ هَانِئٍ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُؤْمِنِ مُكَلَّفًا، فَإِنَّهُ يَكُونُ أَمَانًا مِنْ الْجَمِيعِ، فَلَا يَجُوزُ نَكْثُ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: (وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ) أَيْ هُمْ مُجْتَمِعُونَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ لَا يَحِلُّ لَهُمْ التَّخَاذُلُ بَلْ يُعِينُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى جَمِيعِ مَنْ عَادَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ كَأَنَّهُ جَعَلَ أَيْدِيَهُمْ يَدًا وَاحِدَةً وَفِعْلَهُمْ فِعْلًا وَاحِدًا.