سبل السلام (صفحة 375)

(418) - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا خَطَبَ، احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ، وَيَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: «كَانَتْ خُطْبَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْجُمُعَةِ: يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ -

ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ تَرَكَهُ أَسَاءَ وَصَحَّتْ الْخُطْبَةُ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ إلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ قِيَامٍ لِمَنْ أَطَاقَهُ وَاحْتَجُّوا بِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قَالَ جَابِرٌ " فَمَنْ أَنْبَأَكَ إلَى آخِرِهِ " وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ لَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُمِّ الْحَكَمِ يَخْطُبُ قَاعِدًا فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ وَتَلَا عَلَيْهِ {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ خُزَيْمَةَ " مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قَطُّ إمَامًا يَؤُمُّ الْمُسْلِمِينَ يَخْطُبُ وَهُوَ جَالِسٌ يَقُولُ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ "، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ طَاوُسٍ «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمًا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَأَوَّلُ مَنْ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ مُعَاوِيَةُ» ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ " أَنَّ مُعَاوِيَةَ إنَّمَا خَطَبَ قَاعِدًا لَمَّا كَثُرَ شَحْمُ بَطْنِهِ وَلَحْمِهِ "، وَهَذَا إبَانَةٌ لِلْعُذْرِ فَإِنَّهُ مَعَ الْعُذْرِ فِي حُكْمِ الْمُتَّفَقِ عَلَى جَوَازِ الْقُعُودِ فِي الْخُطْبَةِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ» فَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ كَانَ فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ، وَهَذِهِ الْأَدِلَّةُ تَقْضِي بِشَرْعِيَّةِ الْقِيَامِ، وَالْقُعُودِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْخُطْبَةِ.

وَأَمَّا الْوُجُوبُ وَكَوْنُهُ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا فَلَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ فِي اللَّفْظِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَنْضَمُّ إلَيْهِ دَلِيلُ وُجُوبِ التَّأَسِّي بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قَالَ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ، وَفِعْلُهُ فِي الْجُمُعَةِ فِي الْخُطْبَتَيْنِ، وَتَقْدِيمُهَا عَلَى الصَّلَاةِ مُبَيِّنٌ لِآيَةِ الْجُمُعَةِ فَمَا وَاظَبَ عَلَيْهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَمَا لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ كَانَ فِي التَّرْكِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فَإِنْ صَحَّ أَنَّ قُعُودَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ كَانَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ كَانَ الْأَقْوَى الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ الثَّانِي.

[فَائِدَةٌ تَسْلِيمُ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى النَّاسِ] 1

(فَائِدَةٌ) تَسْلِيمُ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى النَّاسِ فِيهِ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الْأَثْرَمُ بِسَنَدِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ» الْحَدِيثَ وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا دَنَا مِنْ مِنْبَرِهِ سَلَّمَ عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ ثُمَّ صَعِدَ فَإِذَا اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ سَلَّمَ ثُمَّ قَعَدَ» إلَّا أَنَّهُ ضَعَّفَهُ ابْنُ عَدِيٍّ بِعِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ وَضَعَّفَهُ بِهِ ابْنُ حِبَّانَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015