. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَدَاوُد وَآخَرُونَ إلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّكْرَارِ مُسْتَدِلِّينَ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ فِي سَائِرِ الْأَقَارِيرِ كَالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ، وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأُنَيْسٍ: " فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا " وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ تَكْرَارَ الِاعْتِرَافِ فَلَوْ كَانَ شَرْطًا مُعْتَبَرًا لَذَكَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ فِي مَقَامِ الْبَيَانِ وَلَا يُؤَخَّرُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْإِقْرَارِ بِالزِّنَى أَرْبَعُ مَرَّاتٍ مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ مَاعِزٍ هَذَا.
وَأُجِيبَ عَنْهُمْ بِأَنَّ حَدِيثَ مَاعِزٍ هَذَا اضْطَرَبَتْ فِيهِ الرِّوَايَاتُ فِي عَدَدِ الْإِقْرَارَاتِ فَجَاءَ فِيهَا أَرْبَعُ مَرَّاتٍ، وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عِنْد مُسْلِمٍ، وَوَقَعَ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَوَقَعَ فِي حَدِيثٍ عِنْدَهُ أَيْضًا فِي طَرِيقٍ أُخْرَى فَاعْتَرَفَتْ بِالزِّنَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ (قَدْ شَهِدْت عَلَى نَفْسِك أَرْبَعَ مَرَّاتٍ) حِكَايَةٌ لِمَا وَقَعَ مِنْهُ فَالْمَفْهُومُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَمَا كَانَ ذَلِكَ إلَّا زِيَادَةً فِي الِاسْتِثْبَاتِ وَالتَّبَيُّنِ وَلِذَلِكَ سَأَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ بِهِ جُنُونٌ أَوْ هُوَ شَارِبُ خَمْرٍ وَأَمَرَ مَنْ يَشُمَّ رَائِحَتَهُ وَجَعَلَ يَسْتَفْسِرُهُ عَنْ الزِّنَى كَمَا سَيَأْتِي بِأَلْفَاظٍ عَدِيدَةٍ كُلُّ ذَلِكَ لِأَجْلِ الشُّبْهَةِ الَّتِي عُرِضَتْ فِي أَمْرِهِ، وَلِأَنَّهَا قَالَتْ الْجُهَنِيَّةُ: أَتُرِيدُ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْت مَاعِزًا فَعُلِمَ أَنَّ التَّرْدِيدَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْإِقْرَارِ.
وَبَعْدُ فَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا اضْطِرَابَ وَأَنَّهُ أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَهَذَا فِعْلٌ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا طَلَبِهِ لِتَكْرَارِ إقْرَارِهِ، بَلْ فَعَلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ وَتَقْرِيرُهُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ لَا عَلَى شَرْطِيَّتِهِ وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِالْقِيَاسِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ اُعْتُبِرَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَى أَرْبَعَةٌ وَرُدَّ بِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ وَاضِحُ الْبُطْلَانِ لِأَنَّهُ قَدْ اُعْتُبِرَ فِي الْمَالِ عَدْلَانِ وَالْإِقْرَارُ بِهِ يَكْفِي مَرَّةً وَاحِدَةً اتِّفَاقًا.
" الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ": دَلَّتْ أَلْفَاظُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ الِاسْتِفْصَالِ عَنْ الْأُمُورِ الَّتِي يَجِبُ مَعَهَا الْحَدُّ فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ دَالَّةٌ عَلَيْهِ، فَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ أَنَّهُ قَالَ: «أَشَرِبْت خَمْرًا؟ قَالَ: لَا، وَأَنَّهُ قَامَ رَجُلٌ يَسْتَنْكِهُهُ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ رِيحًا» .
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " لَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ غَمَزْت " وَفِي رِوَايَةٍ: «هَلْ ضَاجَعْتهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ بَاشَرْتهَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: هَلْ جَامَعْتهَا؟ قَالَ: نَعَمْ» وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنِكْتَهَا؟ " لَا يُكَنِّي. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنِكْتَهَا؟ . قَالَ: نَعَمْ قَالَ: دَخَلَ ذَلِكَ مِنْك فِي ذَلِكَ مِنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: كَمَا يَغِيبُ الْمِرْوَدُ فِي الْمُكْحُلَةِ وَالرِّشَاءُ فِي الْبِئْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: تَدْرِي مَا الزِّنَى؟ قَالَ: نَعَمْ أَتَيْت مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ حَلَالًا. قَالَ: فَمَا تُرِيدُ بِهَذَا الْقَوْلِ؟ قَالَ: تُطَهِّرُنِي، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ» فَدَلَّ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِفْصَالِ وَالتَّبَيُّنُ، وَأَنَّهُ يُنْدَبُ تَلْقِينُ مَا يُسْقِطُ الْحَدَّ، وَأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اللَّفْظِ الصَّرِيحِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْمُوَاقَعَةِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ تَلْقِينُ الْمُقِرِّ كَمَا أَخْرَجَهُ مَالِكٌ