على إمامتهم من الْأمة لَا يَقُولُونَ فِي مَسْأَلَة إِلَّا عَن دَلِيل ظهر لَهُم وَإِن تبادر إِلَى ذهن الْمُبْتَدِئ أَنهم فِي اخْتلَافهمْ جانبوا الدَّلِيل". اهـ.
قلت: وَإِلَيْك مِثَالا على ذَلِك مَا رُوِيَ عَن عبد الْوَارِث بن سعيد قَالَ: " قدمت مَكَّة وَفِي رِوَايَة ـ الْكُوفَة ـ فَوجدت أَبَا حنيفَة وَابْن أبي ليلى وشبرمة فَسَأَلت أَبَا حنيفَة قلت: مَا تَقول فِي رجل بَاعَ بيعا وَشرط شرطا؟
قَالَ: البيع بَاطِل وَالشّرط بَاطِل، ثمَّ أتيت ابْن أبي ليلى فَسَأَلته فَقَالَ: البيع جَائِز وَالشّرط بَاطِل، ثمَّ أتيت ابْن شبْرمَة فَسَأَلته فَقَالَ: البيع جَائِز وَالشّرط جَائِز، فَقلت: سُبْحَانَ الله ثَلَاثَة من فُقَهَاء الْعرَاق اخْتلفُوا عليّ فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة! فَأتيت أَبَا حنيفَة فَأَخْبَرته فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَالَا حَدثنِي عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده رَضِي الله عَنهُ "أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع وَشرط"، البيع بَاطِل وَالشّرط بَاطِل. ثمَّ أتيت ابْن أبي ليلى فَأَخْبَرته فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَالَا حَدثنِي هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَ: "أَمرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أَشْتَرِي بَرِيرَة وَأَشْتَرِط فَأعْتقهَا"، البيع جَائِز وَالشّرط بَاطِل. ثمَّ أتيت ابْن شبْرمَة فَأَخْبَرته فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَالَا حَدثنِي مسعر بن كدام عَن محَارب بن دثار عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: "بِعْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَاقَة وشرطت حملانها إِلَى الْمَدِينَة"، البيع جَائِز وَالشّرط جَائِز"2. وَسبب الِاخْتِلَاف بَين الْأَئِمَّة مَعْرُوف مشروح فِي أَكثر من كتاب وَمن أحسن من ألّف فِي ذَلِك وَبسط القَوْل فِيهِ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية فِي رفع الملام عَن الْأَئِمَّة الْأَعْلَام، وَمُحَمّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن السَّيِّد البطليوسي الأندلسي المتوفي سنة 521هـ فِي كِتَابه الْإِنْصَاف فِي التَّنْبِيه على الْأَسْبَاب الَّتِي أوجبت الِاخْتِلَاف بَين الْمُسلمين..