أَن ذَلِك وَقع بَين يَدَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأقرهُ فالصحابة اخْتلفُوا فِي فهم أوامره وأقواله أفهاماً مُتَغَايِرَة فَلم يعنف عَلَيْهِم وَلم يوبخهم بل كَانَ يسكت أَحْيَانًا ويعينهم على فهم المُرَاد أَحْيَانًا وأوضح دَلِيل على ذَلِك حَدِيث الصَّلَاة فِي بني قُرَيْظَة1 وَحَدِيث عدي بن حَاتِم فقد فَهِم من قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأََبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ظَاهر اللَّفْظ فَاتخذ خيطين فِي وسادته أَبيض وأسود فَلم يزدْ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَن قَالَ لَهُ: "إِن وِسَادَتك إِذا لَعَرِيض إِنَّمَا هُوَ سَواد اللَّيْل وَبَيَاض النَّهَار" 2.
وَإِنَّمَا ورد عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التعنيف على من تعرض للِاجْتِهَاد بِغَيْر علم وَأفْتى بِغَيْر بَصِيرَة وَلم يتثبت كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الَّذين أفتوا المشجوج فِي رَأسه بِوُجُوب الْغسْل فَمَاتَ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما بلغه ذَلِك: "قَتَلُوهُ قَتلهمْ الله هلا سَأَلُوا إِذا لم يعلمُوا إِنَّمَا شِفَاء العيّ السُّؤَال" 3.
وكل مَا ورد من النُّصُوص فِي ذمّ الِاخْتِلَاف فَالْمُرَاد بِهِ الَّذِي يخرج عَن حُدُود الشَّرْع وآدابه، وَلَا يكون الْمَقْصُود بِهِ الْحق بل الْهوى والعصبية، وَكَذَلِكَ كل خلاف يتمرد على الحَكَم الَّذِي أوجب الشَّرْع الرُّجُوع إِلَيْهِ، أَو المُرَاد بِهِ الِاخْتِلَاف فِي أصل العقيدة، وَمَا أخبر بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وُقُوع الِاخْتِلَاف فِي أمته فَهُوَ التَّفَرُّق والانقسام، وَلذَلِك حذَّر مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الْفرق الثَّلَاثَة وَالسَّبْعُونَ الَّتِي ذكر أَنَّهَا كلهَا فِي النَّار إِلَّا وَاحِدَة، فَإِن المُرَاد بهَا الِاخْتِلَاف فِي العقائد وَفِيمَا أجمع عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ وَلذَلِك عبر بقوله (سَتَفْتَرِقُ) وَلم يقل (ستختلف) لِأَن مُطلق الِاخْتِلَاف وَقع حَتَّى بَين أَصْحَابه، وَلَعَلَّ بعض