قَالَ الشَّافِعِي: "لَا يحل لأحد أَن يُفْتِي فِي دين الله إِلَّا رجلا عَارِفًا بِكِتَاب الله، بناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه، وَيعرف من الحَدِيث مَا عرف من الْقُرْآن، وَيكون بَصيرًا بالشعر بَصيرًا باللغة وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من السّنة وَالْقُرْآن وَيسْتَعْمل مَعَ هَذَا الْإِنْصَاف وَيكون بعد هَذَا مشرفاً على اخْتِلَاف أهل الْأَمْصَار وَتَكون لَهُ قريحة بعد هَذَا، فَإِذا كَانَ هَكَذَا فَلهُ أَن يتَكَلَّم ويفتي فِي الْحَلَال وَالْحرَام وَإِذا لم يكن هَكَذَا فَلَيْسَ لَهُ أَن يُفْتِي"1.
وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: "يَنْبَغِي للرجل إِذا حمل نَفسه على الْفتيا أَن يكون عَالما بِوُجُوه الْقُرْآن عَالما بِالْأَسَانِيدِ"2.
وَقَالَ يحيى بن أَكْثَم: "لَيْسَ من الْعُلُوم كلهَا علم أوجب على الْعلمَاء والمتعلمين وعَلى كَافَّة الْمُسلمين من علم نَاسخ الْقُرْآن ومنسوخه".
وروى ابْن سِيرِين عَن حُذَيْفَة أَنه قَالَ: "إِنَّمَا يُفْتِي النَّاس أحد ثَلَاثَة: من يعلم مَا نسخ من الْقُرْآن، أَو أَمِير لَا يجد بدا، أَو أَحمَق متكلف". قَالَ ابْن سِيرِين: "فلست بِوَاحِد من هذَيْن وَلَا أحب أَن أكون الثَّالِث"3.
قَالَ ابْن الْقيم رَحمَه الله: "مُرَاده وَمُرَاد السّلف بالناسخ والمنسوخ رفع الحكم بجملته تَارَة وَهُوَ اصْطِلَاح المتأخيرن، وَرفع دلَالَة الْعَام وَالْمُطلق وَالظَّاهِر وَغَيرهَا تَارَة إِمَّا بتخصيص أَو تَقْيِيد أَو حمل مُطلق على مُقَيّد وَتَفْسِيره وتبيينه حَتَّى إِنَّهُم ليسمون الاستثاء وَالشّرط وَالصّفة نسخا". اهـ.
قلت: وَيَنْبَغِي على كل متعلم أَن يعلم أَن مرتبَة الْفَتْوَى لم تكن لجَمِيع الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم مَعَ أَن جَمِيعهم فِي اللُّغَة أفْصح من فصحاء عصرنا، هَذَا مَعَ كَونهم امتازوا بالصحبة وبمشاهدة التَّنْزِيل إِنَّمَا كَانَ الْمَشْهُور