بِالدّينِ، ويستقيم أَمر الْمُسلمين، وَالله عز وَجل يقيض فِي كل عصر من يفصل الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة ويستنبط للحوادث من الْكتاب وَالسّنة وَيرد الْفُرُوع إِلَى الْأُصُول.
وَلَو تتبعت عصور الْإِسْلَام لوجدت فِي كل عصر مصداق ذَلِك، ولوجدت أَنه فِي الْأَزْمَان الَّتِي كَانَ الِاجْتِهَاد فِيهَا مزدهراً كَانَت تعْتَبر عصور الْعلم الذهبية الَّتِي يبلغ الْمُسلمُونَ فِيهَا أوج قوتهم ونهضتهم، وَفِي العصور الَّتِي غلب عَلَيْهَا الكسل وتعطل فِيهَا الِاجْتِهَاد كَانَت تعْتَبر عصور الانحطاط الْمظْلمَة، والتخلف العلمي، وَلَك أَن تلحظ ذَلِك بِعَين الْمُشَاهدَة فِيمَا صنف فِي هَذِه العصور من متون وشروح وحواش..
لَكِن مَا هِيَ الأدوات الَّتِي تؤهل المتعلم لهَذِهِ الدرجَة الْعَظِيمَة، وَمَتى يجوز لَهُ الانتصاب لَهَا وادعاؤها، فلننظر إِلَى السّلف مَاذَا قَالُوا:
1 ـ الْأَثر: قَالُوا لَا بُد أَن يتضلع مِنْهُ بأكبر قدر مُمكن، وَمن حدده بِخَمْسِمِائَة حَدِيث أَو بِأَكْثَرَ أَو بِأَقَلّ فَإِنَّهُ لم يدقق فِي الْمَسْأَلَة وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن يضْرب مثلا يقرب الْأَمر إِلَى الأذهان، وَقد سُئِلَ الإِمَام أَحْمد: "إِذا حفظ الرجل مائَة ألف حَدِيث يكون فَقِيها؟ ". قَالَ: "لَا". قيل: "فمائتي ألف؟ ". قَالَ: "لَا". قيل: "فثلاثمائة ألف؟ ". قَالَ: "لَا".. وَلَعَلَّ الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله أَرَادَ الْإِشَارَة إِلَى أَمريْن: أَحدهمَا أَن حفظ الحَدِيث وَحده لَا يَعْنِي الْفِقْه وَالْقُدْرَة على الْفَتْوَى، وَالْآخر أَنه يجب على الْفَقِيه الْمُفْتِي أَن يحْتَاط لنَفسِهِ وَلَا يستهين بِهَذَا الشَّأْن الْعَظِيم.
2 ـ الرَّأْي: لَا بُد أَن يتفقه بمذاهب أهل الْفِقْه ويطلع على آرائهم قَالَ عَليّ ابْن شَقِيق: "سَمِعت ابْن الْمُبَارك يُسأل: "مَتى يسع الرجل أَن يُفْتِي؟ " قَالَ: "إِذا كَانَ عَالما بالأثر بَصيرًا بِالرَّأْيِ"1.
3 ـ وَعَلِيهِ أَن يلم بعلوم الشَّرِيعَة وقواعدها الَّتِي تنبني عَلَيْهَا وَلَا تفهم الْأَحْكَام بِدُونِهَا فمثلاً: