فالمجتهدون من التَّابِعين لَا بدّ أَن يعرفوا مَذَاهِب الصَّحَابَة وَلَا يتجاوزونها والمجتهدون من تَابِعِيّ التَّابِعين لَا بُد أَن يعرفوا مَذَاهِب الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَهَكَذَا دواليك حَتَّى إِذا وصلنا إِلَى مجتهدي زَمَاننَا قُلْنَا: لَا بُد أَن يعرفوا مَذَاهِب جَمِيع السّلف الَّذين يعْتد بمذاهبهم..
أَلا ترى أَبَا حنيفَة رَحمَه الله يَقُول: "إِذا لم أجد فِي كتاب الله وَلَا فِي سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخذت بقول أَصْحَابه آخذ بقول من شِئْت وأدع قَول من شِئْت وَلَا أخرج من قَوْلهم"1.
وكل من خَالف السّلف فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ وَأَجْمعُوا عَلَيْهِ أَو جَاءَ بِمَا لم يذكروه أَو يشيروا إِلَيْهِ اعتبروه شاذاً لَا يُؤْخَذ قَوْله وَلَا يعْتد بِرَأْيهِ..
وَمَا من مَسْأَلَة إِلَّا وَفِي الشَّرِيعَة حكمهَا إِمَّا على وَجه الْعُمُوم أَو على وَجه التَّفْصِيل وَمَا علينا فِيمَا يجدُّ علينا من أُمُور إِلَّا أَن نقيس النَّظَائِر والأشباه ونَرُدَّ الْفُرُوع إِلَى الْأُصُول ونستعين بِاجْتِهَاد السّلف وآرائهم..
قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن: "الْعلم على أَرْبَعَة أوجه: مَا كَانَ من كتاب الله النَّاطِق وَمَا أشبهه، وَمَا كَانَ فِي سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا أشبههَا، وَمَا كَانَ فِيمَا أجمع عَلَيْهِ الصَّحَابَة رَحِمهم الله وَمَا أشبهه، وَكَذَلِكَ مَا اخْتلفُوا فِيهِ لَا يخرج عَن جَمِيعه فَإِن أوقع الِاخْتِيَار فِيهِ على قَول فَهُوَ علم تقيس عَلَيْهِ مَا أشبه وَمَا استحسنه عَامَّة فُقَهَاء الْمُسلمين وَمَا أشبهه وَكَانَ نظيراً لَهُ"2.
قلت: وَالْعُلَمَاء الربانيون هم أهل الذّكر الَّذين ذكرهم الله عز وَجل فِي كِتَابه فَقَالَ: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} .
وهم أهل الاستنباط الَّذين ذكرهم فَقَالَ: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} النِّسَاء ـ 83.