هَذَا إِذا عرفنَا أَنه كَانَ بِالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَة زمن أبي حنيفَة أَكثر من مائَة وَعشْرين صحابياً، وَإِذا عرفنَا انه أَخذ وَسمع من أَكثر من أَرْبَعَة وَسبعين من الْمُحدثين وَالْفُقَهَاء عدّ مِنْهُم الْحَافِظ الْمزي عددا وَمن أشهرهم: طَاوس بن كيسَان، وَالشعْبِيّ، وَعبد الله بن دِينَار، وَعبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز، وَعَطَاء، وَقَتَادَة بن دعامة السدُوسِي، وَالزهْرِيّ، وَهِشَام بن عُرْوَة وَغَيرهم، وَإِذا عرفنَا أَيْضا أَنه كَانَ من تلاميذه كبار الْمُحدثين والحفاظ كَعبد الله بن الْمُبَارك، وَأبي يُوسُف، وَزفر بن الْهُذيْل وَغَيرهم: تَيَقنا أَن مذْهبه كَانَ نابعاً من الْأَثر، ومستقياً من السّنة بِوَاسِطَة هَذِه الروافد..
روى ابْن أبي رزمة أَنه كَانَ إِذا قدم الْكُوفَة أحد من الْمُحدثين يَقُول أَبُو حنيفَة لأَصْحَابه: "انْظُرُوا هَل عِنْده من الحَدِيث شَيْء لَيْسَ عندنَا؟ "1.
فَمن يتَصَوَّر مَعَ هَذَا أَن أَبَا حنيفَة فَقِيه لَا يحفظ الحَدِيث2 وَكَيف يصير الرجل إِمَامًا فِي الْفِقْه وَهُوَ لَيْسَ بحافظ للْحَدِيث.. لذَلِك ترى الْمُحدثين مثل أبي دَاوُد وَابْن حجر لما ترجما لأبي حنيفَة ـ وَفِيه دارت الْأَقَاوِيل ـ اكتفيا بِالْإِشَارَةِ إِلَى إِمَامَته فَقَالَ أَبُو دَاوُد: "أَبُو حنيفَة إِمَام"، وَقَالَ ابْن حجر: "أَبُو حنيفَة الإِمَام الْمَشْهُور".