إذا علمت هذا، فمن فروع القاعدة: إذا قال: ما كدت أطلق امرأتي، أو ما كدت أعتق عبدي، طلقت على الأول دون الثاني، هذا هو القياس، وجزم البغوي في "فتاويه" بالوقوع. وإن قال: كدت، لم تطلق بغير خلاف، وكذا في العتق والله أعلم بالصواب.
قاعدة: "الباء" الموحدة تكون للسببية كقوله تعالى: (فبظلم من الذين هادوا) ، وبمعنى "في" كقوله تعالى: (لتمرون عليهم مصبحين وبالليل) .
إذا علمت هذا فمن فروع القاعدة: إذا قال: إن عصيت بسفرك فإنت طالق، فينظر - فإن إراد بنفس السفر طلقت إذا كان السفر سفر معصية، وإن لم يرد نفس السفر لكنه أراد معصيتها فيه، لم تطلق بالسفر، ويحتمل أن تطلق عاصية بالسفر، والأول أصح لأنه علم أن سفرها معصية ولم يطلقها به، وإنما طلقها بالمعصية فيه. والله أعلم. وهي تبنى على القاعدة: إن إراد بمعنى "في" أو "بسبب السفر".
ومنها: إذا قال: وقفت هذا بهذا، فإن إراد سبب وقف هذا لم يصر وفقا، وإن أراد "في" صار وقفا، والله أعلم.
ومنها: إذا قال: أعتقت هذا بهذا، أو طلقت هذه بهذه، فإن أراد السببية لم يعتق الثاني ولم تطلق الثانية، وإن أراد "في" عتق وطلقت، وإن ادعى هذا دين، وهل يقبل في الحكم؟ على روايتين.
ومنها: إذا قال: طلقة بطلقتين، فإن أراد "في" طلقت ثلاثا، وإن أراد تعدل طلقتين، طلقت طلقتين، وإن أراد الاستصحاب، أن مع طلقتين، طلقت ثلاثا، والله أعلم.
قاعدة: "من" تستعمل لمعان منها التبعيض، مثل أخذت من الدراهم إذا علمت هذا، فمن فروع القاعدة: إذا قال لزوجته: اختاري من ثلاث طلقات ماشئت، لم يكن لها أن تختار أكثر من اثنتين، كما قد صرح به الأصحاب في غالب كتبهم.
ومنها: إذا قال: بع من عبيدي ما شئت، فالظاهر فيه الصحة. قال في "الكافي": "وإن كان وكله في بيع ماله كله، أو ما شاء منه، أو قبض ديونه كلها، أو بالإبراء منها، أو ما شاء منها صح. ويحتمل عدم الصحة.، قال في "الكافي": "ولاتصح إلا في تصرف معلوم، وهنا التوكيل مجهول، ولا يجوز أن يبيع الجميع.
قال القاضي علاء الدين: في "القواعد": "هل يبيع الجميع استعمالا للفظة "من" بمعنى التبيين، أو البعض استعمالا لها بمعنى التبعيض؟ وظاهر كلام الأصحاب جواز بيع الجميع".
وصحت الوكالة، ذكره الرافعي من الشافعية في "المهذب" و "التهذيب"، وذكر في "الحلية" ما يخالفه، فإن قال: لا يصح حتى يميز. زاد النووي في "الروضة" بإنه يتصرف في البعض، لأن"من" للتبعيض، وبه صرح إمام الحرمين والغزالي في "البسيط"، قالوا: ولو باعهم إلا واحدا صح.
والنووي في "الروضة" قد استدرك على الرافعي، فقال: إن الذي نقله عن "الحلية" إن كان المراد به "حلية" الروياني، فهو غلط من الرافعي، فإن المذكور في "الحلية" خلافه، ثم ذكر كلام الحلية.
قال الأسنوي: "والذي ذكره النووي غلط فاحش، فإن الروياني قد صرح بذلك في "الحلية"، فذهل عنه النووي، وذكر كلاما آخر مذكورا بعده بنحو خمسة أسطر ظنا منه أنه هو".
ومنها: إذا قال: له علي من درهم إلى عشرة لزمه ثمانية، وجزم به ابن شهاب، وقيل: عشرة، وقيل: تسعة.
قاعدة: تكون "من" أيضا للتعليل، كقوله تعالى: (كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم) . وتأتي بمعنى "الباء" كقوله عز وجل: (يحفظونه من أمر الله) و (يلقي الروح من أمره) . وبمعنى "في" كقوله عز وجل: (أروني ماذا خلقوا من الأرض) وبمعنى "على" كقوله عز وجل: (ونصرناه من القوم) وتكون زائدة في المنفي وشبهه، وهو النهي والاستفهام، إذا كان المجرور نكرة كقوله عز وجل: (ما لكم من إلاه غيره) . وأما في الإثبات فلا يجوز، وقيل: بلى مطلقا لقوله تعالى: (يغفر لكم من ذنوبكم) ، وقيل: إن كان نكرة جاز كقوله: (يحلون فيها من أساور) وإن كان معرفة فلا.
إذا علمت هذا، فمن فروع القاعدة: أذا قال: برئت من طلاقك، إن أراد علة الطلاق لم تطلق، وإن نوى الطلاق وقع.، وقال بعض الشافعية: إن أراد برئت إليك من طلاقك طلقت.
ومن فروع الثانية: إذا قال: أنت حر منه، لم يعتق إلا الأول، لأنه أراد العلة، إذا أن يرد ب "من" بمعنى "الباء" أي به، فيعتق العبدان، وكذا إذا قال: أنت طالق منها، وكذا في الوقت.