الحمد لله المتفرد بالجلال والجمال، والمتصف بصفات البهاء والكمال، أحمده حمدا كثيرا مباركا في المستقبل والحال، وأشكره شكرا يثقل الأرض والجبال، وأوحده توحيد عبد معترف بذنوبه الثقال.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ضد ولا ند، ولا وزير ولا مشير، إلها واحدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاة دائمة بالغداة والآصال، وسلم تسليما، وبعد: فهذا كتاب استخرت الله في استخراجه وإتقانه، ورسمت بعض ألفاظه من العربية، وكتبت عليها بعض المسائل الفقهية على مذهب الإمام المفضل والحبر المبجل أبي عبد الله أحمد بن محمد ابن حنبل رضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنة مثواه بمنه وكرمه، إنه سميع مجيب الدعوات، وأسأل الله أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
قاعدة: الكلمة لاتطلق على الكلام، على الصحيح عند النحويين وقال بعضهم: يقصد بها الكلام العام، واستدلوا بقوله تعالى: "كلا إنها كلمة هو قائلها"، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم "أفضل كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل. . ."، وغير ذلك.
إذا تقرر هذا، فمن فروع القاعدة: إذا حلف لا يكلمه فوق كلمة، حنث بالكلمة التي هو واحدة الكلام، مع أني لم أجد في هذه المسألة: نقل، والذي ينبغي أن يقال إن كان مراده بالكلمة واحدة الكلام حنث بما زاد عليها، وإن كانت نيته غير ذلك رجع إلى نيته، والله أعلم.
ومنها: إذا قال: إن كلمت زيدا فوق كلمة فإنك طالق، فكلمته فوق الكلمة التي هي واحدة الكلام طلقت.
ومنها - ما قالوا في الجنائز: إنه إذا تكلم أعاد تلقينه، فإن كان مرادهم الكلام، فتكلم كلمة لم يعد تلقينه، وإن كان مرادهم: الكلمة أعيد. ومرادهم والله أعلم، أنه إذا تكلم ولو كلمة أعيد والله أعلم.
ومنها: ما قالوا في الخطبة في الجمعة: إنه يحرم الكلام، فإن أريد به: الكلام الذي واحده الكلمة لم تحرم الكلمة، لأن الكلمة تطلق ويراد بها الكلام، مرادهم - والله أعلم - أنه يحرم الكلام والكلمة وهذه المسألة فيها ثلاث روايات: يحرم، لا يحرم، يحرم لغير الإمام ومن يكلمه، والله أعلم.
ومنها: إذا سلم قبل إتمام الصلاة، ثم تكلم لغير مصلحتها بطلت فمرادهم هنا، ولو كلمة التي هي واحدة الكلام، والله أعلم.
وكذا في جميع ما ذكروا في الفقه من تحريم الكلام أو كلام، فالمراد به - والله أعلم - الكلمة التي هي واحدة الكلم.
قاعدة: القول من معاني الأفعال وكلام جميع النحاة يدل عليه، لأنك إذا قلت: "قال" فهي فعل و"ضرب" فعل.
ومن فروع هذه القاعدة: إذا حلف لا يفعل فعلا، أو لا يعمل عملا، فهل يحنث إذا كلمه أم لا؟ حكى الشيخ تقي الدين بن تيمية رضي الله عنه في كتاب درء تعارض العقل والنقل أن المسألة على وجهين.
وقال في "الفروع": "قال شيخنا: الكلام يتضمن فعلا كالحركة، ويتضمن ما يقترن به من الحروف والمعاني، فلهذا نجعل القول قسيما له، وقسما منه تارة أخرى. وينبني على ذلك، من حلف لا يعمل عملا، فقال قولا كالقراءة ونحوها، هل يحنث أم لا؟ على وجهين في مذهب أحمد وغيره" وذكر في الخلاف في قوله عليه السلام للمسيء في صلاته:"وافعل ذلك في صلاتك كلها. . ."، أنه يرجع إلى القول والفعل جميعا، لأن القراءة فعل في الحقيقة، وليس إذا كان لها اسم أخص به من الفعل يمتنع أن يسمى فعلا.
قاعدة: لا يشترط في الكلام صدوره من ناطق واحد، ولا قصد المتكلم لكلامه، ولا إفادة المخاطب شيئا يجهله على الصحيح في الثلاث كما ذكره في "الارتشاف" مثال الأولى: أن يقول أحدهم: زيد، ويقول الآخر: قائم.
ومن فروعها: إذا كان له وكيلان بإعتاق عبد، أو وقفه، أو طلاق امرأته، فاتفقا على أن يقول أحدهما هذا، ويقول الآخر: حر، أو طالق، عتق وطلقت لأنهما قد اتفقا على العتق.