فتح حلب، ودفن بتربة شهاب الدين الحارمي، بالمقام، ثم نقل إلى دمشق. وجد الملك الناصر، بسبب أخيه على محاصرة حلب أياماً، فاجتمع إليه الأجناد من العسكر والرجال، وطلبوا منه قرارهم فمطلهم، فقالوا: قد ذهبت أخبارنا، ونحتاج لغلاء الأسعار إلى ما لا بد منه، وشح بماله، فقال لهم: أنتم تعلمون حالي، وقلة مالي، وأنني تسلمت حلب صفراً من الأموال، وضياعها في أقطاعكم. فقال له بعضهم: من يريد حلب يحتاج إلى أن يخرج الأموال ولو باع حلي نسائه، فأحضر أواني من الذهب والفضة، وغيرها، وباع ذلك، وأنفقه فيهم.
وكان الحلبيون يخرجون على جاري عادتهم، ويقاتلون أشد قتال بغير جامكية، ولا قرار، نخوة على البلد، ومحبة لملكهم، فأفكر عماد الدين، ورأى أنه لا قبل له بالملك الناصر، وأن ماله ينفد ولا يفيده شيئاً، فخلا ليلة بطمان، وقال له: ما عندك في أمرنا. هذا الملك الناصر، قد نزل محاصراً لنا، وهو ملك قوي، ذو مال. والظاهر أنه يطيل الحصار، وتعلم أنني أخذت حلب خالية من الخزائن، والجند يطالبونني وليس لي من المال ما يكفيني لمصابرته. ولا أدري عاقبة هذا الأمر إلى ما ينتهي.
فأحس طمان عند ذلك بما قد حصل في نفسه، فقال له: أنا أذكر لك ما عندي، على شريطة الكتمان والاحتياط بالمواثيق والأيمان، على أن لا يطلع أحد على ما يدور بيننا، فإن هؤلاء الأمراء إن اطلعوا على شيء مما نحن فيه أفسدوه، وانعكس الغرض.
فتحالفا على كتمان ذلك، فقال له طمان: أرى من الرأي في حلب أن تسلمها إلى الملك الناصر، بجاهها، وحرمتها، قبل أن تنتهك حرمتها، ويضعف أمرها، وتفنى الأموال، وتضجر الرجال، ويستغل بلدها فيتقوى هو وعسكره به، ونحن لا نزداد إلا ضعفاً. والآن فنحن عندنا قوة، ونأخذ منه ما نريد من الأموال والبلاد.